للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[احتجاجات باطلة لأجل فعل المعصية]

أما إخوان الشياطين فتمدهم الشياطين في الغي، فيمتدون منه، ويمنون أنفسهم الأماني من الغرور الذي غرهم، فتجد العاصي يقول: الله كتب المعصية علينا ولو شاء ما فعلتها، يتهم الله بأنه هو الذي أوقعه في المعصية راضياً عنه، والله قد كتب الطاعات والمعاصي ولا شك، ولكن الله سبحانه وتعالى لا يرضى لعباده الكفر، وأعطاهم الإرادة، وأعذر وأنذر، وأنزل الكتب وأرسل الرسل، وبعض العصاة يقول: هذه مسألة اختلف فيها العلماء، هناك من يحللها وقد يكون كلامه هو الصحيح، وبعض العصاة يقول: قد اختلف في كونها كبيرة لعلها صغيرة، والصغيرة أمرها هين، والجمعة إلى الجمعة كفارة ورمضان إلى رمضان كفارة وسنحج في آخر الأمر، أو يقول العاصي: لي حسنات كثيرة تغمر هذا الذنب، ألست أصلي؟ وأزكي؟ وأصوم؟ وأتصدق؟ ألست أبر والديَّ؟ وهكذا.

أو يقول أيضاً: لعل الله يغفر لي، أليس الله واسع المغفرة؟ أليس رحيماً بعباده؟ لعلها تنالني شفاعة، أليس يقولون: إن شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم عظيمة؟ أو يقول: غداً أتوب، وإذا تقدم بي العمر سأحج تلك الحجة التي تمحو جميع الذنوب، ثم أقبل على حالي ونفسي وأصلح ما أفسدت، وهذه فترة شهوة وقوة وغلبة نفس! وأحسنهم من يقول: أستغفر الله، أستغفر الله، ويرى أنه قد تاب وقبلت توبته ومحي ذنبه، قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُبِيناً * يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصاً * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَعْدَ اللَّهِ حَقّاً وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً * لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} [النساء:١١٩ - ١٢٣].

قال عدد من العلماء والسلف: إن هذه أخوف آية في كتاب الله: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً * وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً} [النساء:١٢٣ - ١٢٤].

قال ابن مسعود رضي الله عنه: [إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذبابٍ مر على أنفه فقال به هكذا] أي: كذبابة وقعت على أنفه فحرك يده وهش الذباب فطار، وانتهى كل شيء، هذا الفرق بين الإحساس بالمعصية من جهة المؤمن ومن جهة الفاسق.

نسأل الله تعالى أن يعيننا على أنفسنا، وأن يقينا شر أنفسنا، وأن يلهمنا رشدنا، وأن يعيذنا من الشيطان وشركه وشرّه.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.