[واجب الداعية نحو المنكرات الاجتماعية]
يوجد عندنا كثير من المنكرات الاجتماعية، فيجب على الدعاة والمصلحين، ويجب علينا جميعاً محاربة المنكرات الاجتماعية التي تكون موجودة في المجتمع، كان عندهم وأد البنات؛ وهي من المنكرات الاجتماعية، وهي خصلة ذميمة جداً، فيقوم هذا الرجل المصلح بأخذ البنت، وإنقاذها من أبيها، وإحيائها بعد أن كادت تموت وتدفن حية.
فمن وظيفة المصلح: أن ينظر في المنكرات الاجتماعية فيتولى إصلاحها؛ لأن المجتمع -يا إخوان- تنتشر فيه انحرافات بسبب بعد الناس عن الدين، وقد يكون شخص واحد هو سبب الانحراف.
الآن هذا العربي الأول الذي أُخذت ابنته واختارت أن تبقى عند الذي سباها، فغضب وأخذته الحمية، وعاهد نفسه أن يقتل كل بنتٍ تأتيه، واحد هو الذي سبب المنكر، واخترعه ثم فشا في المجتمع.
كثير من المنكرات الموجودة، قد يكون الذي دعا إليها واخترعها شخص واحد، ثم انتشرت في المجتمع، ووظيفة الدعاة والمصلحين هي مجابهة المنكرات الموجودة، ودعوة الناس إلى تركها، وبيان خطرها، وإنقاذ الموقف، فتجد -مثلاً- في المجتمع أشياء كثيرة من أنواع الفواحش، أو أشياء من التقصير في الحجاب، أو أشياء من انتشار الخمر أو المخدرات، سوس من السوس الذي ينخر في عظم المجتمع.
فوظيفة الداعية إلى الله سبحانه وتعالى أن يقوم بالمواجهة.
ومشكلة المنكرات الاجتماعية أن الناس قد تآلفوا عليها، وأن عليها خلقٌ كثير، فتكون المواجهة صعبة؛ لأنك تواجه عدداً كبيراً لا تواجه شخصاً واحداً.
ومشكلة المنكرات الاجتماعية أن الذي يرتكبها يحتج بالأغلبية وينطلق من منطلق الأغلبية؛ فإذا أتيت وأنكرت على واحدٍ منهم، يقول: كل العالم يفعلون هذا، وهذه الحجة التي ابتلينا بها، كلما دعوت شخصاً إلى شيء يقول: كل العالم هكذا، بعض منكرات الأعراس من المنكرات الاجتماعية تفشت، مثلاً: إدخال الرجل على النساء تصوير النساء، تفشت.
فإذا أتيت تنكر، يقولون: كل الأعراس هكذا كل الناس يفعلون هذا.
ولذلك فينبغي علينا الصبر، وأن نبين للناس أن الأكثرية ليست دليلاً على الحق؛ وهذا مبدأ مهم جداً، ولذلك يقول الله تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف:١٠٣]، ويقول الله عز وجل: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:١١٦] فعمر الأكثرية ما كانت دليلاً على الحق، بالعكس الأكثرية في الأرض كفار، انظر إلى التعدادات، كم مليون نصراني؟ كم مليون بوذي؟ كم مليون هندوسي؟ كم مليون مشرك؟ حتى من المحسوبين على المسلمين، كم منهم من المبتدعة أصحاب البدع المكفرة؛ الخارجين عن الدين، كـ القاديانية، والبهائية، والبابية، والإسماعيلية، والأغاخانية، والباطنية، وفرق الباطنية كلهم محسوبون على المسلمين، حتى في بعض البلدان يكتب: مسلم قادياني، مسلم باطني، مسلم إسماعيلي، مسلم دورزي، مهزلة، فإذا حذفت هؤلاء وجئت بعد ذلك إلى المحسوبين على المسلمين، وأيضاً تصفي منهم الذين يطوفون بالقبور، والأضرحة، ويسألون الأموات، ويستشفعون بالموتى، ويطلبون من الميت ما لا يقدر عليه إلا الله؛ إذا صفيت هؤلاء، ماذا يبقى؟!! ولذلك قال ابن القيم رحمه الله: "أهل الإسلام في الأرض غرباء، وأهل السنة في المسلمين غرباء، والداعين إلى السنة المطبقين للسنة الحريصين على السنة، أهل الحديث وأتباع الدليل غرباء، كلما نشدت الحق الصافي ضاقت الدائرة".
ليست الأكثرية أبداً معياراً للتوصل إلى الحق؛ وهذه حجة باطلة أن أكثر الناس يفعل ذلك، خصوصاً عندما يتنفس في المجتمع المنكرات والانحرافات، ولو كنا في مجتمع الصحابة، لقلنا: والله أكثر أهل المدينة هكذا، الاحتجاج بعمل أهل المدينة، كان ذلك في عصر من العصور؛ عصر النقاء والصفاء، عصر المجتمع الإسلامي الأول الذي أسسه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.
لو قلت: أكثر أهل المدينة كذا، لكن الآن لا يمكن أن تحتج بأكثرية الناس على شيء، ولذلك كان المذهب الغربي الفاسد قضية التعيين بالأغلبية، واختيار القوانين بالأغلبية، وسن التشريعات بالأغلبية، واختيار الانتخاب بالأغلبية؛ هذا مبدأ فاسد، لأن الأغلبية أصحاب هوى، وإذا ترك الناس أن يشرعوا بالأغلبية لا شك أنهم سيشرعون الكفر المحض.
أقول: إن مواجهة المنكرات الاجتماعية يجب أن يبين الشخص للناس قضية الاحتجاج بالأغلبية؛ لأن المنكرات الاجتماعية من طبيعتها كثرة توالي الناس عليه وعلى اتباعها، كذلك فإن إنكار المنكرات الاجتماعية يحتاج إلى تكوين بيئات صالحة لتقاوم هذه المنكرات الاجتماعية، فعندما يكثر في المجتمع مثلاً: البيئات الصالحة التي لا توجد في بيوت أهلها أجهزة اللهو المحرمة، ولا الشاشات البيئات الصالحة التي يحرص فيها أهلها على إتيان المساجد مع أولادهم، أو تحفيظ القرآن لأبنائهم، أو عندما ينتشر الحجاب؛ وينتشر الغطاء الشرعي، والقفازات والجوارب ونحو ذلك؛ هذا فيه مقاومة ومزاحمة للشر، وكذلك عندما يكثر الملتزمون بالسنة الحريصون عليها يكون فيه مزاحمة للمتساهلين بها وهكذا ينتشر الخير، فهذه وسيلة أخرى: تكوين البيئات الصالحة، لأن مواجهة الأكثرية التي جانبت الصواب بدعوات فردية من هنا ومن هنا لا تكاد تنجح، أما مواجهتها بتأسيس بيئات قوية هي بذاتها تكون دعوة بالقدوة، وعندما يرى الناس أن نموذجاً مطبقاً فهذا خير دعوة، وأحسن من ألف خطبة، وألف كتاب، وألف شريط، وألف شخص يتكلمون.
ثم إن هذه البيئات النظيفة تستقطب من فيهم بذرة خير يأتون إليها، ولذلك خذ مثلاً: مراكز تحفيظ القرآن الكريم للنساء على سبيل المثال، عندما توجد البذرة يوجد المجتمع يقوم مجتمع مصغر فيه العلم، وتحفيظ القرآن، والوعظ والتذكير؛ هذا هو الذي يصلح الناس يصلحهم إقامة البيئات التي تجذبهم، وتصهرهم إقامة البيئة التي تحتويهم وتحميهم إقامة البيئة التي تعلمهم وتساندهم وتقويهم إذا اهتدوا، فيجد الشخص سنداً، عنده اثنين أو ثلاثة أو أربعة أو عشرة من المتدينين على مثل حاله، فعند ذلك سنشد عضدك بأخيك، وعند ذلك تكون المواجهة قوية مثمرة، وإلا فإننا نجلس على أفراد وعلى كلام، فهذا لا يكون من المقاومة ولا من الاستمرار على الحق إلا أمر في غاية الصعوبة.
فـ زيد بن عمرو بن نفيل واحد، ورقة بن نوفل واحد، قس بن ساعدة واحد، كانوا آحاداً فلم يعملوا شيئاً من ناحية التغيير، ولم يستطيعوا أن يصلوا إلى التغيير، لكن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث أقام المجتمع الإسلامي الذي ترابط أفراده، وتعاقدوا وتعاهدوا وتعاونوا على البر والتقوى، الذين أقاموا الدين في أنفسهم، وبرهنوا للناس ولمجتمع قريش أن الإنسان يتغير، وكانوا يرونهم نماذج أمامهم، عندما ترى المرأة المشركة التي جعل خبيب عندها أسيراً في بيتها ترى ولدها يدب الرضيع إلى خبيب؛ خبيب سيُقتل حتماً، محكوم عليه بالإعدام، وهذا الطفل هذا ولد المشركة جاء إلى خبيب فأخذه خبيب وأقعده في حجره وجلس يلاطفه، فلما انتبهت المرأة فزعت؛ لأنه كان بيد خبيب موسى يستحد بها -الاستحداد هو حلق شعر العانة- فهو استعار الموسى ليستحد بها؛ وهذه من سنن الفطرة، فبقيت عنده الموسى وهو موثق، فدب إليه الولد فأقعده عنده وبيده الموسى، فلما انتبهت فزعت ورعبت هذا محكوم عليه بالإعدام، والآن فرصة لينتقم، وبيده الموسى وهذا الولد، لكنه ألغى هذه الفكرة من رأسه، أتظن أنه سيقتله؟ كلا، قالت: والله ما رأيت أسيراً خيراً من خبيب؛ كان بـ مكة يأكل قطفاً من عنب وما في مكة عنب؛ وهذه من كرامات أولياء الله.
إذاً: الناس عندما يرون النموذج يتأثرون ويقتنعون وقد لا يُطبق في البداية، ولكن تبقى المشاهدة في نفسه بانتظار الوقت المناسب، تظهر وعلى شكل تنفيذ لما استقر في النفس من التأثر المسبق.
والحمد لله رب العالمين.