[أن الخير قد يكون في المرأة التي يكرهها]
ثم أيضاً من الأشياء التي تساعد على معاشرة الزوجة بالمعروف: ما قال الله تعالى في الآية: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء:١٩]: على الزوج أن يتذكر بأن الخير قد يكون في زوجته التي يكرهها، ويأتي عن طريقها، كأن يرزقه الله منها ولداً صالحاً تقر به عينه، وينتفع به المسلمون، فضلاً عن انتفاعه به هو في الدنيا، وانتفاعه به في الآخرة، كأن يكون ولداً صالحاً يدعو له، وربما ينفع الأب استغفار ولده له فترفع المنزلة في الجنة (فيقول: مِن أين لي هذا؟ فيقولون: باستغفار ولدك لك).
والآن هذه الآية يجب أن تؤخذ بتمامها: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء:١٩].
إذاًَ: إذا كرهتم شيئاًَ، يمكن أن يكون فيه خير من وجه آخر.
ولذلك قال المفسرون {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ} [النساء:١٩]: قال القرطبي: أي: لدمامة -إن كرهتموهن لقبح في الشكل، عدم وجود جمال- أي: لدمامة، أو سوء خلق، مِن غير ارتكاب فاحشة أو نشوز، فإذا ما وصلت المسألة إلى الفاحشة والنشوز فوجود شيء من الدمامة أو شيء من سوء الخلق يُنْدَب الزوج إلى تحمله؛ لأنه عسى أن يئول الأمر إلى أن يرزقه الله منها أولاداً صالحين، ويجعل الله منها خيراً كثيراً.
وقال ابن كثير رحمه الله في هذا الآية: أي: فعسى أن يكون في إمساكهن مع الكراهة فيه خير كثير لكم في الدنيا والآخرة.
كما قال ابن عباس في هذه الآية: [هو أن يعطف عليها فيُرزَق منها ولداً أو يكون في ذلك الولد خير كثير].
وقال ابن العربي رحمه الله: المعنى: إن وجد الرجل في زوجته كراهيةً، وعنها رغبةً -يعني: رغب عنها، وليس فيها- ومنها نفرة، من غير فاحشة ولا نشوز، فليصبر على أذاها، وقلة إنصافها، فربما كان ذلك خيراً له.
وكذلك قال بعضهم: إنكم إن كرهتم صحبتهن فأمسكوهن بالمعروف، فعسى أن يكون في صحبتهن الخير الكثير، مثل ولد يحصل فتنقلب الكراهة محبة، والنفرة رغبة، أو حصول الثواب الجزيل من الله؛ لتحمُّلِه إياها، والإحسان إليها، مع كراهيته لها.
فإذاً: لاحظ أنهم قيدوا المسألة بما إذا لم يكن هناك فاحشة أو نشوز، إذا وجدت فاحشة فالمسألة انتهت، ليس هذا مما يُتَحَمَّل.
{فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ} [النساء:١٩] قال الشيخ: محمد رشيد رضا رحمه الله: {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ} [النساء:١٩] أي: لعيب في الخَلْق أو الخُلُق مما لا يعد ذنباً لهن، أو لتقصير في العمل الواجب عليهن في خدمة البيت والقيام بشئونه، مما لا يخلو عن مثله النساء -يعني: الخلق هذا أو الاعوجاج أو التقصير موجود عند عامة النساء، إذا كان شيئاً موجوداً عند عامة النساء اصبر عليه، فالذي عند غيرك مثل الذي عندك، والتقصير الذي تشعر به يعاني منه كثيرون، فإذاً: المسالة في حدود العموم الموجود المنتشر الذي لا يخلو منه بيت، ولا تخلو منه امرأة- فلا تعجل بالمضارة والمفارقة {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء:١٩] ومن الخير الكثير، بل أهمه وأعلاه: الأولاد النجباء، فرب امرأة يملها زوجها، ويكرهها، ثم يجيئه منها ما تقر به عينه من الأولاد النجباء، فيعلو قدرها عنده، ومن الخير الكثير أن يصلح حالها بصبره وحسن معاشرته، فتكون من أعظم أسباب هنائه.
ولذلك بعض الناس يقول: أنا أول خمس سنوات من زواجي تعبت جداً، ولكن بعد ذلك ارتحت إلى الغاية، بسبب أنه صبر على اعوجاج الزوجة، ومن صبر ظفر.
والحاصل أن الدين يسر، والإسلام يوصِي المسلمين بحسن معاشرة في النساء والصبر عليهن إذا كرههن الأزواج، رجاء أن يكون فيهن خير كثير.