لابد من الاهتمام والتركيز على الموازنة بين الجوانب في تربية النفس، ومراعاة الخطأ الذي يحصل أحياناً والتدقيق فيه من تغليب جانب على جانب، فبعضهم ينشط في الدعوة إلى الله مثلاً، أو ينشط في طلب العلم، لكنه يُهمل في جانب الإيمان، ولا بد من تصحيح المفاهيم والتصورات المتعلقة بموضوع التربية الإيمانية، فمن هذه التصورات الخاطئة: اعتقاد البعض أن التربية الإيمانية هي فقط للناشئة الجُدد السالكين حديثاً في طريق الالتزام، وليست للدعاة إلى الله الذين قطعوا مرحلةً، أو شوطاً، أو مشواراً في طريق الالتزام والاستقامة، وهذا خطأ، فكلنا نحتاج ذلك، ولذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعبد ربه حتى أتاه الموت، ولم يقل: إن التربية الإيمانية لحديثي العهد الذين دخلوا في الإسلام، أما كبار الصحابة فإنهم مشغولون بالجهاد وبتدبير أحوال المجتمع، والدعوة إلى الله، والتخطيط له.
ومن المفاهيم كذلك: ما يأتي في نفوس البعض من شبهة أن الاهتمام بالقلب يحسنه الصغار، ولكن الاهتمام بالأشياء الأخرى الكبيرة لا بد أن يكون لها الرجال، ولذلك تجد بعضهم يقول: أنا أهتم بالتصورات والعقائد والدعوة، وأهتم بمعرفة الواقع، ومحاربة أهل البدع والرد عليهم، ولا يهتم بقلبه هو، وهذا سببه علة كِبر، أو علة أن النفس تحب أن تتميز، فيقول: دع الصلاة للشيبان في المساجد، دع الذكر لهؤلاء المساكين، وأنا أذهب أعمل بالأشياء العظيمة، وهناك أناس على هذه الشاكلة.
ويجب كذلك أن يكون منهاجناً في طلب العلم مبدوءاً بتعلم الخشية لله:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}[فاطر:٢٨] وليس مجرد تعلم التعريفات والمصطلحات واختلافات العلماء، وبغير زكاة فإن العلم يصبح نقمة ووبالاً على صاحبه، وكذلك الاستناد والاستشهاد بالأمور الإيمانية عند دراسة وعرض العقيدة أو تفاصيلها، أو عرض معاني الأسماء والصفات، وليس مجرد الاقتصار على عرض القواعد العلمية في مسألة الأسماء والصفات مثلاً، وإهمال ربط الناس بالمعاني.
وكذلك عرض سائر أمور الدين، وإذا قرأت مثلاً: الجزء الذي كتبه ابن القيم رحمه الله في السيرة النبوية، أو مثلاً تأملت ما يكتبه أحياناً في أصول الفقه في كتاب إعلام الموقعين، أو بعض الأحكام المنثورة في كتبه، تجد أنه يربطها ربطاً مباشراً بالله عز وجل، وبالخوف منه سبحانه وتعالى، وتجنب الأسلوب المنطقي العقلاني البحت في عرض قضايا الدين على الناس، فهذا خطير جداً، لأنه يربي الناس على الأشياء العقلانية، أو الأشياء المنطقية، ولا يحسون بحرارة الأشياء التي يتعلمونها في قلوبهم، وإنما يكون معرفتهم بها معرفة باردة.