للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عبادة ابن القيم وزهده]

وأما عن عبادته وزهده، فإن من يقرأ مؤلفاته -رحمه الله- يخرج بدلالة واضحة، وهو: أنه كان عنده من عمارة القلب باليقين، والافتقار إلى الله عز وجل، والعبودية أمراً عظيماً، وتجد في ثنايا كلامه من إنابته إلى ربه، والحاجة إليه عز وجل ثروةً طائلةً، فكان من العلماء العاملين الذين كانوا من أهل الله وخاصته.

قال ابن رجب رحمه الله: وكان -رحمه الله- ذا عبادة وتهجد وطول صلاة إلى الغاية الوسطى، وتأله ولهج بالذكر وشغف بالمحبة والإنابة والاستغفار، والافتقار إلى الله، والاطراح بين يديه على عتبة عبوديته، لم أشاهد مثله في ذلك، ولا رأيت أوسع منه علماً، ولا أعرف بمعاني القرآن والسنة منه، وليس هو المعصوم، ولكن لم أر في معناه مثله، ولقد امتحن وأوذي مرات، وحبس مع الشيخ تقي الدين في المرة الأخيرة في القلعة منفرداً عنه، لم يفرج عنه إلا بعد موت شيخه ابن تيمية -رحمه الله-، وكان في مدة حبسه منشغلاً بتلاوة القرآن والتدبر والتفكير، ففتح الله عليه من ذلك خيراً كثيراً.

وحج مرات وجاور بـ مكة، وكان أهل مكة يذكرون عنه من شدة العبادة وكثرة الطواف أمراً يتعجب منه.

وقال تلميذه ابن كثير: لا أعرف في هذا العالم في زماننا أكثر عبادة منه، وكان له طريقةً في الصلاة يطيلها جداً، ويمد ركوعها وسجودها، ويلومه كثير من أصحابه في بعض الأحيان فلا يرجع، ولا ينزع عن ذلك رحمه الله تعالى.

وقال ابن حجر: كان إذا صلى الصبح، جلس مكانه يذكر الله حتى يتعالى النهار، وكان يقول: هذه غدوتي لو لم أقعدها سقطت قواي، وكان يقول: بالصبر والفقه تنال الإمامة بالدين.