سرى سنقر من جيش صلاح الدين كان شجاعاً يقتل من أعداء الله، ويفتك فيهم، وفيه نكايةٌ عظيمة في النصارى، فمكروا به وتجمعوا له، وكمنوا له، وخرج إليه بعضهم وتراءوا له -أي: إغراءً- فحمل عليهم سرى سنقر رحمه الله حتى صار بينهم فوثب عليه بقية الكمين وأمسكوا به، وأخذ واحدٌ بشعر المسلم ورفع الآخر سيفه ليضرب رقبة المسلم؛ لأنه كان قد قتل قريباً له، فأراد الله أن تقع الضربة في يد الماسك بشعره فقطعت يده؛ فاشتد يعدو حتى عاد إلى أصحابه المسلمين، وأعداء الله يشتدون خلفه فلم يدركوه.
ومرةً من المرات في قتال صلاح الدين مع النصارى قال بعضهم لما طال القتال: إلى كم يتقاتل الكبار، وليس للصغار حظ؟ نريد أن يصطرع الصبيان، صبيٌ منا وصبيٌ منكم، فأخرج المسلمون صبياً منهم، وأخرج النصارى صبياً منهم، واشتد الحرب بين الصبيان، فوثب الصبي المسلم على الكافر فجأةً فاختطفه ورفعه وضرب به الأرض وقبضه أسيراً، وأخذه يشتد به، فلحقه الإفرنج يشترونه، فباعه بدينارين فأطلقه، وكانت تلك من نوادر المعركة.
وكانت أقدار الله عز وجل حافلةً بالأمور العجيبة في جهاد المسلمين، فجهاد المسلمين الصادقين عجائب وملاحم وأمور عظام، وكان في المسلمين في عهد صلاح الدين رجل يستعمل ما وهبه الله من البراعة في الغطس لنصرة دين الله، كان يقال له: عيسى العوام، وفي حصار عكا كان هذا الرجل يأخذ نفقات من الذهب للمسلمين، وخطابات توجيهية وعسكرية من صلاح الدين فيغوص بها قبل مراكب النصارى ثم يخرج بعد أن يغطس من الجانب الآخر إلى ساحل البلدة المحاصرة فيسلم ذلك، فخرج مرة وقد شد على وسطه ثلاثة أكياس فيها ألف دينار وكتبٌ للعسكر، وعام في البحر، فقدر الله أن يجري عليه ما أهلكه فأبطأ الخبر، وكانت عادته أنه إذا دخل البلد طار طيرٌ يعرفهم بوصوله، فأبطأ الطير؛ فاستشعر المسلمون هلاك الرجل، ولكن بعد أيام بينما الناس على طرف البحر ينتظرون قذف إليهم البحر ميتاً غريقاً فافتقدوه فوجدوه عيسى العوام، ووجدوا على وسطه الذهب وشمع الكتب، وكان الذهب نفقة للمجاهدين، فما رُؤي من أدى الأمانة في حال حياته وبعد وفاته إلا هذا الرجل في ذلك الموقف.
كانت تلك جولة في عالم الجهاد وفي معارك المؤمنين، وكيف صدقوا مع الله عز وجل وباعوا واشتروا:{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}[التوبة:١١١].
عباد الله إننا نتضرع إلى ربنا في هذا اليوم أن ينصر المجاهدين، وأن يعلي كلمة الدين، وأن يخذل المشركين، إنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير.
أقول قولي هذا وأستغفر الله، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.