للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تلاقي أرواح الأحياء مع أرواح الأموات]

أما تلاقي أرواح الأحياء مع الأموات فإن بعض أهل العلم قد فسروا قوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} [الزمر:٤٢] فسروه بذلك، بتلاقي أرواح ما يقتضي تلاقي أرواح الأحياء مع الأموات، ومنهم من قال غير ذلك، وعلل بعض أهل العلم الرؤيا التي يراها الإنسان في نومه لميتٍ مات ويتحدث معه ويخاطبه ويكلمه بأنه من نتيجة تلاقي روحه لما خرجت وهو نائم وجالت وتجولت مع روح ذلك الميت.

أما ما نُقل عن السلف في مسألة الرؤى التي رئيت للصالحين من موتاهم والأحاديث التي حدثوا بها فهي كثيرة جداً ومستفيضة، قال سفيان بن عيينة: رأيت سفيان الثوري بعد موته يطير في الجنة من نخلة إلى شجرة، ومن شجرة إلى نخلة، وهو يقول: {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} [الصافات:٦١] فقيل له: بم أدخلت الجنة؟ قال: بالورع.

وقال صالح بن بشر: لما مات عطاء السلمي رأيته في منامي، فقلت: يا أبا محمد! ألست في زمرة الموتى؟ قال: بلى.

قلت: فماذا صرت إليه بعد الموت؟ قال: صرت والله إلى رب غفور شكور وخير كثير.

ورئي الفضيل بن عياض بعد موته، فقال: لم أر للعبد خيراً من ربه.

وقال أبو بكر بن أبي مريم: رأيت وفاء بن بشر بعد موته، فقلت: ما فعلت يا وفاء؟ قال: نجوت بعد كل جهد.

قلت: فأي الأعمال وجدتموها أفضل؟ قال: البكاء من خشية الله عز وجل.

وقال عبد الله بن عبد العزيز: رأيت أبي في النوم بعد موته كأنه في حديقة، فقلت: أي الأعمال وجدتها أفضل؟ قال: الاستغفار أي بني.

وقال سهيل أخو حزم: رأيت مالك بن دينار بعد موته، فقلت: أبا يحيى! ليت شعري ماذا قدمت به على الله؟ قال: قدمت بذنوبٍ كثيرة محاها عني حسن الظن بالله عز وجل.

وقال عمار بن سيف: رأيت الحسن بن صالح في منامي، فقلت: قد كنت متمنياً للقائك، فماذا عندك فتخبرنا به؟ فقال: أبشر! فإني لم أر مثل حسن الظن بالله شيئاً.

ورأى الشيخ/ محمد الصالح -علامة القصيم - شيخه عبد الرحمن بن ناصر السعدي في منامه، فقال له: ما أكثر ما نفعك عند الله تعالى؟ فقال: حسن الخلق.

وكان السعدي رحمه الله من المشهورين بحسن الخلق.

وهذه قصة تأكدت من صحتها بنفسي، والذي يخبرك به الناس عما رأوه من حال أقاربهم بعد الموت في المنامات أشياء كثيرة جداً، فهذا عالم الأرواح بهذه الأسرار التي لا يعلمها إلا الله، وما علمناه نحن شيء يسير: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} [الإسراء:٨٥] وإن ما يحدث لهم الآن تحت الأرض وفي أعلى عليين وفي أسفل سافلين حوادث كثيرة جداً أكثر من الأحداث التي تحدث على وجه الأرض.

كم مات من الناس من قبلنا من آدم إلى الآن؟ كلهم لهم قصص وأحداث الآن تدور رحاها، تحت الأرض وفي أعلى عليين وفي أسفل سافلين، أحداث كثيرة جداً تحدث ونحن عنها في غفلة، فاستعدوا يا عباد الله، ولنستعد ولنأخذ العدة بما نحن عليه الآن لما سنكون عليه بعد الموت.

نسأل الله السلامة والعافية، ونسأل الله زاداً نافعاً يبلغنا مآلاً صالحاً.

اللهم اغفر لنا يا رب العالمين، وتب علينا إنك أنت أرحم الراحمين، اللهم عجل فرجنا، وثبت أمننا، اللهم ارزقنا إيماناً صالحاً، اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم من أراد بلدنا هذا بشر فكده، اللهم من أراد المسلمين وبلادهم بسوء فدمره واجعله عبرة للمعتبرين.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.