[التحذير من علماء السوء]
أحمد الله وحده لا إله إلا هو الحكيم الخبير، الذي بيّن لنا الحلال في القرآن فأحله، وبيّن الحرام فحرمه، وأرسل رسوله صلى الله عليه وسلم ليبين للناس ما نزل إليهم من ربهم، فجاء كلامه عليه الصلاة والسلام مؤكداً للكتاب العزيز شارحاً له ومفصلاً ومبيناً، فصلوات الله وسلامه عليه.
ماذا نقول لهذه الفتاوى العوجاء التي تصدر من أولئك الذين لا يخافون الله، يتبعون شهواتهم وأهواءهم، ويقبضون ثمن الفتوى عاجلاً، ويبيحون الربا المعجل ولا حول ولا قوة إلا بالله، لا نملك أن نقول إلا كما قال الله: {أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود:١٨].
والمشكلة أن في المسلمين ضعفاء إيمان، يقولون: ضعها في رقبة عالم واخرج منها سالماً، ضع بينك وبين النار شيخاً أو مطوعاً كما يقولون، هؤلاء ضعاف الإيمان الذي سيستغلون مثل هذه الفتاوى العوجاء وسيقولون: نحن مضطرون، نحن محتاجون، ويضعون أموالهم في الربا، هؤلاء لو قالوا لنا: هذا عالم، هذا مفتي، هذا مشهور، نقول لهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بأن أخوف ما يخاف على أمته الأئمة المضلين، الذين يأتم بهم الناس فيضلونهم، ولذلك وضح الله في القرآن بأن هؤلاء سيحملون أوزارهم كاملة يوم القيامة زائد: {وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [النحل:٢٥] لا تحسب المسألة ستمضي في الدنيا، سيحملون أوزارهم يوم القيامة؛ جراء هذه الفتاوى مع أوزار كل الناس الذين اتبعوهم، وأنت أيها الأخ المسلم لا تغتر بقول فلان وفلان، فعندك المسألة في الكتاب والسنة واضحة جداً ولا تحتاج بعدها إلى شيء.
ثم اعلم بأن هؤلاء سيتبرءون ممن اتبعهم يوم القيامة: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة:١٦٦ - ١٦٧].
وهذا أيها الإخوة تاريخ سيكتب أنه في ٨/صفر/١٤١٠هـ صدرت الجريدة الفلانية في البلد الفلاني يقول فيها المفتي كذا وكذا، وستلعن الأجيال القادمة هذا الرجل الذي أفتى بهذا ومن معه من الذين يضلون الناس بغير علم، ولو لم يكتبه الناس؛ فهو مكتوب عند الله، وأرض بلاد النيل والحمد لله فيها خير عظيم، وما عقمت نساء مصر أن ينجبن العلماء الصلحاء الأخيار أبداً في القديم ولا في الحديث، والمتدينون من أهل مصر يعلمون أن هذه الفتاوي حرام، وأنها خزعبلات فارغة، ولو أتينا بصبي صغير في المدرسة وقلنا له: لو أخذت مالاً من بنك أو مصرف، وأخذت عليه (١٠%) نسبة ثابتة فما هذا؟ سيقول الولد الصبي: هذا حرام إنه ربا، وإذا قالوا: إن وظيفة البنك في الاقتصاد كوظيفة القلب في الجسم، فقل لهم: كلا، إن وظيفة البنك في الاقتصاد هي كوظيفة السرطان في الجسم.
المشكلة أن النقاش صار الآن في الأساسيات، ومنذ زمن بعيد كان النقاش في أشياء أصغر، لكن النقاش الآن صار في أساسيات، الربا من السبع الموبقات، من كان يتصور أنه سيأتي زمان على المسلمين يتناقشون في الأشياء الأساسية المفروغ منها، والتي أجمعت الأمة على تحريمها، يأتي أناس اليوم يحلونها والله عز وجل يقول: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة:٣١] وقد فسرها عليه الصلاة والسلام لـ عدي بن حاتم: أحلوا لهم الحرام فاتبعوهم، وهكذا يحدث.
وإذا أردت أن تعلم عظم جريمة الربا فتأمل هذه القصة: جاء رجل إلى الإمام مالك بن أنس رحمه الله، قال: يا أبا عبد الله! إني رأيت رجلاً سكران يتعاقر، قد بلغ السكر أوجه، يريد أن يأخذ القمر -سكران يقفز ليأخذ القمر- فقلت: امرأتي طالق إن كان يدخل جوف ابن آدم أشد من الخمر، فما حكم امرأتي الآن؟ فقال له الإمام مالك: ارجع حتى أنظر في مسألتك، فأتاه من الغد، فقال: ارجع حتى أنظر في مسألتك، مسألة طلاق المرأة أو بقائها ليست سهلة، فأتاه من الغد، فقال: ارجع حتى أنظر في مسألتك، فلما أتاه قال له: امرأتك طالق، إني تصفحت كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فلم أر شيئاً شراً من الربا؛ لأن الله أذن فيه بالحرب ولم يحارب أحداً آخر، فالخمر ضرره على الشارب في الغالب، والزنا ضرره على الزاني والزانية في الغالب، أما الربا فليس ضرره على فرد ولا فردين ولا دولة ولا دولتين، بل أضراره على أمم تتحطم بهذا الربا، ذلك لتعلموا حكمة الله في تحريم الربا، فهذا الدين عظيم وليس دين لهو ولا لعب.
وكذلك فإن مما يؤسف له أنني قرأت خبراً في جريدة خارجية، ليست خارجية عن البلاد فقط ولكن خارجية عن الإسلام أيضاً، يرد فيها كاتب على الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله، في أي شيء؟ في قضية تحريم الربا، يقول: قال ابن باز حتى كلمة توقير واحترام واحدة لم ترد، ما هو المأخذ؟ يقول: أنت يا بن باز لو حرمت العمل في البنوك، معناه أن البنوك سيعمل فيها الكفار؛ لأن المسلمين سيتركون البنوك حسب الفتوى، فإذاً نسلم البنوك للكفار، انظر إلى هذه الشبهة.
نقول أيها الإخوة باختصار شديد رداً على الشبهة: لو كان هناك مصنع خمر في بلد من بلدان المسلمين، قلنا: يا أيها المسلمون العاملون في هذا المصنع! حرام عليكم العمل في مصنع الخمر، يجب أن تتركوا وظائفكم فيه، هل سيأتي عاقل ويقول: لا، أصلاً إذا ترك المسلمون هذا المصنع معناه عمل فيه الكفار وسلمنا مصنع الخمر للكفار؟! لو كان هناك بلد دعارة يشتغل في المسلمون قلنا لهم: يا أيها المسلمون حرام عليكم أن تعملوا في هذا المكان، رواتبكم سحت، هل سيأتي قائل وعاقل يقول: لكن لو ترك المسلمون بيت الدعارة سيستلمه الكفار، هل هذا عقل؟! فانظروا أيها الإخوة كيف يفعل هؤلاء، ثم إن كثيراً منهم يبتغون الشهرة بكلامهم هذا، يأتي واحد مغمور لا يساوي الوسخ الموجود تحت الأظافر، فيرد على عالم جليل في فتوى صحيحة لا غبار عليها ليشتهر فيقال: فلان رد على الشيخ فلان، هؤلاء مثل الأعرابي الذي جاء وبال في ماء زمزم، فقام الناس عليه: لماذا تبولت في ماء زمزم؟! قال: أحببت أن أُشتهر بين الناس حتى لو باللعنات المهم أن يُشتهر، وهذا دأبهم.
ونقول لهذا الخبيث: اطمئن ولتقر عينك قراراً لا حركة بعده بإذن الله، أنه سيبقى هناك من الفسقة والعصاة من المسلمين من سيعملون في بيوت الربا، حتى لو صدرت الفتاوى بتحريم أعمالهم، فاطمئن ونم قرير العين، فإن مخاوفك لن تتحقق.