[الشنقيطي يحفظ الشواهد الشعرية والطرائف]
المباحثات العلمية أحياناً تحتاج إلى شيء من الملح والطرائف والنوادر الشعرية للترويح حتى لا تمل النفس ونحو ذلك، وقد حصل في بعض المجالس سؤال عن أيام العرب وأشعارها وملح الأدباء ونوادرهم، وقلنا: إن دروس ابن عباس رضي الله عنه كان فيها درس في التفسير ودرس في الحديث ودرس في كذا، ومنها درس في الشعر، أو في كلام العرب، والشواهد الشعرية هذه مفيدة جداً في تقوية الملكة العربية، والفصاحة ثم معرفة معنى الكلمة، لأن الكلمة عندما توضع في بيت شعر تعطيك معناها حسب السياق تفهم المعنى.
فربما تأتي الكلمة في القرآن أو في السنة، فيرجع العلماء إلى الشواهد الشعرية المذكورة فيها هذه الكلمات لمعرفة معناها عند العرب، فالشواهد الشعرية مهمة؛ ولذلك ترى كتاب ابن جرير الطبري رحمه الله مليئاً بالشواهد الشعرية، فالشواهد لها فوائد في معرفة معاني الكتاب والسنة.
وكذلك ربما كانت تستعمل في الملح والأحماض، لطرد الملل من المجالس، قالوا: ومما وقع السؤال عنه في أثناء المذاكرة، ثناء أدباء الشعراء في قصار النساء، كقول الشاعر:
من كان حرباً للنساء فإنني سلم لهن
فإذا عثرن دعونني وإذا عثرت دعوتهن
وإذا برزن لمحفل فقصارهن ملاحهن
قال: معاني القصر جداً وصف مذموم كما يدل عليه قول كعب بن زهير.
لا يشتكى قصر منها ولا طول
أي: أن من محاسن المرأة أن تكون متوسطة لا مفرطة في الطول ولا في القصر، وكذلك ذكر رحمه الله طرفة، قال: إننا لما دخلنا -أي: ذكر عن بعض العامة، جهلهم- لما جاءوا على مدينة خرطوم في السودان، قال: قال لنا واحد بكلامه الدارج ومضمونه، أنه يغبطنا ويغار منا بسبب أننا نمر من أرض السودان التي فيها موضع شريف، قلنا له: وما ذاك الموضع الشريف -يقول: أنا لا أعرف أن في السودان موضعاً جاء فضله في الكتاب والسنة، مثل مكة والمدينة وبيت المقدس - فقال: الخرطوم، قلنا: وأي شرف للخرطوم؟ قال: مذكور في القرآن العظيم في قوله تعالى: {سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ} [القلم:١٦] فقلنا له: ذاك خرطوم آخر غير الخرطوم الذي تعنيه، فضحك من يفهم من الحاضرين.
وحصل مناقشة في مجلس قال: واستدل بعضهم بدليل هو عليه لا له، وهذه من الأشياء التي يقع فيها حتى بعض الشباب من طلاب العلم ونحوهم فقال بعض الحاضرين وكان عندهم أدب -عندهم الأدب يعني: أنهم يحفظون الأشياء والطرائف- قال: هذا مثل مغني اللصوص، فضحك من له خبرة بقصة مغني اللصوص، وهي قصة مشهورة، ملخصها أن بعض الأمراء أسر لصوصاً كانوا يقطعون الطريق، فقدمهم للقتل واحداً بعد الآخر حتى لم يبقَ منهم إلا واحد، فقال: لا تقتلوني فأنا لست من اللصوص، وإنما كنت مغنياً لهم، أطربهم بالأناشيد والأغاني، فقالوا له: بم كنت تغني لهم؟ ماذا كنت تغني للصوص؟ فقال: أغنيهم بقول الشاعر:
عن المرء لا تسل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي
فإن كان ذا شر فجانب بسرعة وإن كان ذا خير فقارنه تهتدي
فهذا مغني اللصوص الذي جاء بالأشعار يظنها أنها حجة له فإذا هي حجة عليه.
وطلب منا قوم من أهل النعمة أن أفسر لهم سورة الواقعة، ففسرتها لهم ليلاً، وسأل بعض طلبة العلم عن الفعل المبني للمفعول، هل هو أصل أو فرع، فأجابه عن ذلك، ودخل في المناقشة في قضية تتعلق بهذه المسألة.