[الفساد المترتب على العشق]
فهذا ما ينبغي أن يكون عليه الحال في المحبة.
أما قضية العشق وما يترتب عليه فلا شك أن العشق هو فساد في الإدراك والتخيل والمعرفة، ولذلك فالعاشق يخيل له المعشوق على صورة أخرى غير ما هو عليه حقيقة، ينقل ابن تيمية الآن عن الأطباء النفسانيين: (يقول الأطباء: العشق مرض وسواسي شبيه بالمانخوليا، فيجعلونه من الأمراض الدماغية التي تُفسد الفكر والتخيل كما يفسده المانخوليا) مرض يُفسد التخيل فتتخيل أشياء وتراها على عكس ما هي عليه.
فالعاشق إذا وصل إلى درجة مع المعشوق تخيله شيئاً آخر على غير ما هو عليه تماماً، ولذلك فليس بصحيح إطلاقاً أن يكون هذا مما تُوصف به العلاقة بين العبد والرب.
وبعض هؤلاء الذين يسمون أنفسهم بالعشاق لله يعتريهم من الصور اعتقادات فاسدة -لأجل هذه القضية- لا تجوز إطلاقاً في حق الله تعالى، وكثيراً ما يعتري أهل المحبة من السُكر أعظم مما يصيب السكران بالخمر، والسكران بالصور كما قال تعالى في قوم لوط: {إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر:٧٢] والحب له سُكر أعظم من سُكر الشراب، كما قال الشاعر:
سُكْرانِ سكر هوىً وسكر مدامة ومتى الإفاقة من به سُكرانُ
والمدامة: هي الخمر.
فالسُكر كما يكون بالخمر قد يكون أيضاً بالصور، بل ربما كان السُكر بالصور أعظم من السكر بالخمر، لأنه يُحدث اضطراباً في العقل والعلم واعتقادات وتخيلات فاسدة.
ثم لخص رحمه الله تعالى الانحراف في باب محبة الله فقال: " باب محبة الله ضل فيه فريقان من الناس: الفريق الأول: فريق من أهل النظر والكلام والمنتسبين للعلم جحدوها وكذبوا بحقيقتها وقالوا: إن الله لا يُحب، ونفوا صفة المحبة لله.
الفريق الثاني: فريق من أهل التعبد والتصوف والزهد، أدخلوا فيها من الاعتقادات والإرادات الفاسدة ما ضاهوا بها المشركين.
فالأولون يشبهون المستكبرين، والآخرون يشبهون المشركين، ولهذا يكون الأول في أشباه اليهود، ويكون الثاني في أشباه النصارى، وقد أمرنا الله تعالى أن نقول: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:٦ - ٧].
" فالأولون كابروا النصوص، فالنصوص تقول يحب، وهم يقولون لا ما يحب، والآخرون وافقوا النصارى في قضية الغلو وجعلوا فيها أشياء من الاعتقادات والإرادات الفاسدة