[المبشرات لا تعني ترك العمل للدين]
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي المؤمنين، وأشهد أن محمداً رسول الله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة.
أيها الإخوة: كلامنا في الخطبة الماضية وفي هذه الخطبة كان القصد منه إحياء النفوس بهذه المبشرات الإسلامية التي نطق بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه الآيات في القرآن العظيم، هذه التي تبعث الأمل ثانيةً في تلك النفوس التي ملئت يأساً وحسرةً حتى كادت أن تخمد جذوة الإسلام في نفوس المسلمين، الغرض من هذا الكلام بعث الأمل في تلك النفوس اليائسة، التي يئست مع مشاهدة الواقع الحاضر، ومع المعيشة في الواقع الحاضر أن يرجع الإسلام ثانيةً، هذا هو القصد، لكن قد يؤدي هذا الكلام إلى محذورٍ آخر، وهو أن يتواكل كثير من المسلمين ويعتمدون على النصر الذي سيأتي من عند الله، والخلافة التي ستكون، فيتركون العمل للإسلام، ويقول كثير من أولئك الذين ما فقهوا الدين، يقولون: ما دام الله سينصر الدين فلماذا نعمل نحن؟! بما أن الله سينصر الدين بالتأكيد إذاً لا داعي للعمل! نجري وراء الدنيا والشهوات والأهواء وللبيت رب يحميه.
كلا أيها الإخوة ما كان هذا أبداً فهماً صحيحاً للإسلام في الماضي، وليس فهماً صحيحاً مطلقاً لدين الله عز وجل، لأن الله يقول: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة:١٠٥] وقل اعملوا في سبيل الله، اعملوا من أجل رفع راية الإسلام، اعملوا من أجل إعزاز دين الله، اعملوا من أجل نشر منهج الله في الأرض، اعملوا من أجل الدعوة إلى الله، اعملوا من أجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، {وَقُلِ اعْمَلُوا} [التوبة:١٠٥] أمر عام يشمل جميع أنواع العمل الصالح {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ} [التوبة:١٠٥] ما قال الله عز وجل للمسلمين ناموا وأنا أنصر الدين، لا.
وهذا الفهم أيها الإخوة هو الذي فهمه صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، الذين يقول شاعرهم يوم الخندق وهم يرون الرسول صلى الله عليه وسلم يعمل:
لئن قعدنا والنبي يعمل لذاك منا العمل المضلل
لئن قعدنا والنبي يعمل، فهذا عمل ضال لا يمكن أن يكون، فقاموا مع الرسول صلى الله عليه وسلم يعملون ويحفرون بأصابعهم الخندق، يعملون عملاً من أجل إيجاد وسيلة لصد المشركين، وبالإضافة إلى ذلك أيها الإخوة قد يتصور البعض بأن عملنا للإسلام بدافع أننا إذا لم نعمل يفوتنا الأجر، يعني: إذا لم نعمل فات علينا أجر عظيم ولذلك نعمل، هذا صحيح، لكن ليس هذا فقط كل شيء، إننا نعمل للإسلام أيها الإخوة؛ لأن الواجب علينا أن نعمل، ولأننا إذا لم نعمل أثمنا كلنا، ولأن الله يقول: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد:٣٨] إذا نبذنا العمل ونمنا وجلسنا نجري الآن وراء الدنيا والماديات والشهوات ونشبع رغبات نفوسنا، ماذا سيحدث؟ الله عز وجل لابد أن ينصر الدين، والله عز وجل لا ينصر الدين بملائكة ينزلون من السماء يقيمون حكم الله في الأرض، لا، الله عز وجل ينصر الدين بأسباب، ينصر الدين بأناس ينصرون هذا الدين، يبعثهم الله عز وجل من المجددين والعلماء والمجاهدين أفراد الطائفة المنصورة.
إذاً: أيها الإخوة لله سنن في الأرض تعمل، لابد أن تعمل هذه السنن ومن سننه أن يجعل النصر لعباده، وأن يجعل قيام الإسلام على أيدي مسلمين مخلصين {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد:٣٨] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة:٥٤] الذي يرتد عن الدين ويترك العمل ما الذي سيحدث؟ سيأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه؛ أجيال أخرى تنشأ {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} [المائدة:٥٤].
إذاً أيها الإخوة! إذا ما عملنا نحن الآن: أولاً: يفوتنا الأجر.
ثانياً: علينا الإثم.
ثالثاً: سيأتي الله بقوم من بعدنا يعملون فينصر الله بهم الدين، فلماذا نتخاذل ونقعد وننتظر أن ينتصر الإسلام ونحن مكتوفو الأيدي؟ لا أيها الإخوة! يجب أن نكون من أفراد الطائفة المنصورة التي أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن وجودها إلى قيام الساعة، ما هي الطائفة المنصورة؟ هذا حديث أدرجت فيه الصفات من الأحاديث التي وردت، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفةٌ من أمتي ظاهرين على الحق) مهما كان الأمر، ومهما ضعف الإسلام، ومهما تقهقر المسلمون ومهما طم العدو وعلا على بلاد المسلمين (لا تزال طائفةٌ من أمتي ظاهرين على الحق) وفي رواية: (قائمةٌ بأمر الله) وفي رواية: (قوامة على أمر الله) وفي رواية: (منصورين) وفي رواية: (لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم) وفي رواية: (يقاتلون على الحق ظاهرين حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال).
هذه الطائفة المنصورة موجودة في الأرض وهذه صفاتها على الحق، منصورة بالحجة قبل أن تكون منصورة بالسيف، تعرف العقيدة وتعرف التوحيد، مستقيمة على أمر الله، لا يضرها من خذلها ولا من خالفها من الشرق والغرب.
يجب أن نكون من أفراد هذه الطائفة المنصورة التي أخبر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم حتى يقيم الله الإسلام، سواء رأيناه بأعيننا أو تأخر بعد موتنا، فلا يهم، المهم أن ننقذ أنفسنا من النار، هذا هو المهم أيها الإخوة، أن ننقذ أنفسنا من النار، سواءً رأينا النتيجة أو لم نرها، وعدم رؤية النتيجة ليس باعثاً على اليأس، لأن المسألة إذا لم تتحقق في هذا الجيل، فستتحقق في الأجيال القادمة بإذن الله: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج:٤٠].
اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك، اللهم واجعلنا من جندك وأعوانك قائمين على الحق، عاملين بالحق ومجاهدين من أجل الحق، اللهم واجعلنا من أتباع رسولك صلى الله عليه وسلم، وارزقنا الإخلاص والاستقامة في الأقوال والأعمال، اللهم واجعلنا من أفراد الطائفة المنصورة من أهل السنة والجماعة الذين ينصرون الحق وبه يعدلون، اللهم طهر أعمالنا من الرياء، وألسنتنا من الكذب، وقلوبنا من النفاق، اللهم واجعل بيوتنا بيوتاً إسلامية، اللهم وارزقنا وأنت خير الرازقين، وعافنا في أنفسنا وفي أبداننا وفي أموالنا وفي أولادنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا يا أرحم الراحمين! إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون.