وعائشة أم المؤمنين ضربت لنا مثلاً في جمع العلم فروت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم علماً كثيراً طيباً مباركاً فيه، قال أحد أئمة الإسلام: لا أعلم في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، بل ولا في النساء مطلقاً في أي امرأة في العالم منذ أن خلق الله آدم إلى وقتها امرأةً أعلم منها، بَرَّأها الله من فوق سبع سموات، ولا يستبعد أن تكون هي أعلم نساء العالمين على الإطلاق، وأنزل الله في شأنها قرآناًَ يتلى إلى يوم القيامة، وأنزل بسببها آية التيمم، هذه الصديقة بنت الصديق تضرب لنا مثلاً لطالب العلم في جمع أنواع العلم، فإن بعض الناس يتخصص في فن ولا يدري عن بقية الفنون، وقد يحسن في بعض أنواع العلم وهو لا يحسن في أنواع أخرى كثيرة، عن أبي الضحى قال: قلنا لـ مسروق: هل كانت عائشة تحسن الفرائض؟ قال: والله لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم الأكابر يسألونها عن الفرائض.
وعن عروة ابن أخت عائشة قال:[لقد صحبت عائشة -خالته- فما رأيت أحداً قط كان أعلم بآية أنزلت، ولا بفريضة، ولا بسنة، ولا بشعر، ولا أروى له، ولا بيومٍ من أيام العرب، ولا بنسب ولا بكذا ولا بكذا ولا بقضاء، ولا طب منها، فقلت لها: يا خالة! يعني: ربما بعض العلوم الأخرى نعلم لكن الطب من أين علمتيه؟ قالت: كنت أمرض فينعت لي الشيء ويمرض المريض فينعت له، وأسمع الناس ينعت بعضهم لبعض فأحفظه] وفي بعض الرواية: (إن أهل الخبرة من الطب في البادية، كان يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فينعت الدواء، فتحفظه عائشة).
وتضرب مثلاً في الإنفاق فقد بعث إليها معاوية بمائة ألف، فقسمتها بين أمهات المؤمنين، وبعث لها ابن الزبير بمال في غرارتين يكون مائة ألف، فدعت بطبق، فجعلت تقسم في الناس، فلما أمست قالت: هاتي يا جارية! فطوري، فقالت: يا أم المؤمنين! أما استطعت أن تشتري لنا لحماً بدرهم؟ ما عندنا أكل، كل المال هذا الذي وزعتيه أما اشتريت لنا لحماً بدرهم؟ قالت: لا تعنفيني لو ذكرتيني لفعلت.