وقد كانت هذه آية للكفار ليروا كرامة الله تعالى للمسلمين، وكرامة المسلمين لا شك أنها من اتباعهم لنبوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فخرق الله العادة، وجعل في يد خبيب قطفاً من العنب، وأكرمه الله عز وجل بذلك، كما ظهرت الكرامة لـ عاصم، لما أراد كفار قريش أن يأتوا بقطعة منه، فلكي لا تنتهك حرمته ويأخذ العدو شيئاً منه أرسل الله مثل النحل فأحاطه وظلله فلم يستطع أحد أن يقترب منه، وهذا دليلٌ على كرامات أولياء الله تعالى.
وكرامات أولياء الله عند أهل السنة والجماعة ثابتة بخلاف المعتزلة، وهي دون معجزات الأنبياء مخالفاً بذلك لمذهب الأشاعرة، الذين يقولون: كل ما كان معجزة لنبي جاز أن يكون كرامة لولي.
والمعتزلة نفوا الكرامات بالكلية، والأشاعرة قالوا: المعجزات والكرامات يمكن أن تكون سواء، وأهل السنة قالوا: بإثبات الكرامات ولكن الكرامات أقل من منزلة معجزات الأنبياء، والكرامة عبارة عن خرق للعادة، يخرقه الله كرامة لأهل طاعته وولايته، مثل بعض الصحابة الذين مشوا على الماء، والعادة أن الإنسان لا يمشي على الماء، ومثل غلام أصحاب الأخدود، مشى على الماء لما غرق القارب وجاء يمشي إلى الملك.
وكذلك الجبل اضطرب وتدهده بهم وماتوا وهو جاء يمشي إلى الملك، وكلما حاولوا قتله لم يستطيعوا، فهذه كرامة.
ومريم:{كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً}[آل عمران:٣٧] كانت تؤتى بفاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف، هذه من كرامات الأولياء.
وخبيب رضي الله تعالى عنه أوتي عنباً في مكة وليس في مكة شيء منه، وعاصم بعث الله له هذا الدبر لكي يحميه ولا يستطيع أحد أن يأخذ منه شيئاً، فإن قال قائل: ما هو الفرق بين خوارق كرامات الأولياء وبين الخوارق التي هي للدجالين والمشعوذين، فإننا ربما نرى لهم خوراق؟ فنقول: الفرق هو أن الخوارق كرامة للأولياء، وأما للمشعوذين أو الدجالين أو السحرة أو الكهنة، أو أتباع الشياطين فهي استدراج، والفرق المهم جداً جداً هو حال هذا وحال هذا، حال الولي وحال المشعوذ، هذا موحد وهذا مشرك، هذا يتبع سبيل الأنبياء، وهذا يتبع سبيل الشياطين، هذا هو الفرقان بين أولياء الشيطان وأولياء الرحمن.