للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[استنباط ابن هبيرة الفرق بين قوله تعالى: (لو نشاء لجعلناه حطاما) وقوله: (لو نشاء جعلناه أجاجا)]

كذلك من استنباطاته رحمه الله في كتاب الله وتدبره له، في قوله تعالى: {لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً} [الواقعة:٦٥]، و {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً} [الواقعة:٧٠].

فهذه في سورة الواقعة.

فقوله تعالى: {لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً} [الواقعة:٦٥] أي: الزرع.

وقوله تعالى: {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً} [الواقعة:٧٠]؟ أي: الماء.

وما معنى أجاجاً؟ مالحاً لا يستفاد منه.

ما هو الفرق بينهما في الحروف؟ اللام.

في الزرع قال: {لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً} [الواقعة:٦٥].

وفي الماء قال: {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً} [الواقعة:٧٠] بدون لام.

فلماذا اللام ذكرت في الزرع ولم تذكر في الماء؟ قال: تأملتُ دخول اللام وخروجها، فرأيت المعنى أن اللام تقع للاستقبال، يعني: اللام تدل على المستقبل، تقول: لأضربنك، أي: فيما بعد، لا في الحال، إذا أردت أن تضربه الآن، فلا تقل: لأضربنك، وإنما اللام هذه تدل على المستقبل.

والمعنى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً} [الواقعة:٦٣ - ٦٥] أي: في مستقبل الزمان، فيقول: انظروا إلى هذا الشيء الذي أنتم الآن تبذرونه وتزرعونه {لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ} [الواقعة:٦٥] بعد أن ينمو ويكبر ويثمر وتتعبون عليه، نجعله حطاماً، فيكون العذاب بذلك والأسى والحسرة والتأسف عليه أكبر مما لو جعله حطاماً في أول أمره، ولذلك قال: {لَجَعَلْنَاهُ} [الواقعة:٦٥] بعدما يكبر وينضج ويثمر أمامكم تتعلق نفوسكم به، {لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً}، لأنه قال: أي: في مستقبل الزمان إذا تم فاستُحْصِد، وذلك أشد العذاب؛ لأنها حالة انتهاء تعب الزرَّاع، واجتماع الدين عليهم، لأن الزرَّاع والمزارعون يقترضون لأجل نفقات الزرع، وثمن البذور، والسقي، وما يتبع ذلك من السماد وغيره، حتى إذا أثمر وحصدوا، باعوا وسددوا الدين وأخذوا الربح، قال: لأنها حالة انتهاء تعب الزراع واجتماع الدين عليهم لرجاء القضاء بعد الحصاد مع فراغ البيوت من الأقوات؛ لأن قبيل الحصاد يكون المزارع مفلساً إلى آخر درجة، حتى البيت ليس فيه قوت، لأنه سيدخر الآن من هذا الثمر، فإذا قضي عليه في ليلة، قضي على الزرع هذا، والحصاد كله صار حطاماً، فكيف يكون وقع المصيبة؟ عظيماً.

وأما في الماء، فقال: {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً} [الواقعة:٧٠] أي: الآن، هذا الماء الذي عندكم، أما أن نجعله في المستقبل بعد أن تشربون وتخزنون وتدخرون، ويذهب عطشكم، فلا يكون هناك نقمة قوية مثلما يُجعل الآن وأنتم محتاجون إليه قبل أن تشربوا وقبل أن تدخروا، ولذلك قال في الزرع: {لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ} [الواقعة:٦٥] وقال في الماء: {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ} [الواقعة:٧٠].