ومن الظلم العظيم منع الناس من العبادة والحيلولة بينهم وبين أماكنها، كما قال عز وجل:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[البقرة:١١٤].
وقد عَدَّ الله عز وجل الذين يبقون في دار الشرك ولا يهاجرون إلى بلاد الإسلام ظَلَمةً، قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ}[النساء:٩٧] هذه الحجة التي قالوها عند قبض أرواحهم.
لماذا أنتم في بلاد الكفر؟ {قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا}[النساء:٩٧] أي: ما دام لكم مجالٌ وفسحة في الذهاب إلى بلاد الإسلام، فلماذا لم تهاجروا إليها؟ فسر هذه الآية ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه فقال:(إن ناساً من المسلمين كانوا مع المشركين، يكثرون سواد المشركين، وتكثير سواد المشركين حرام، ونفعهم وتقويتهم وهبة عصارة الأذهان إليهم حرام، يكثرون سواد المشركين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيأتي السهم فيُصيب أحدهم فيقتله أو يُضرب فيقتل، فأنزل الله: ((إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ)) [النساء:٩٧]) رواه البخاري رحمه الله.
فالذي يختار الذهاب إلى بلاد الكفر دون حاجةٍ ولا إلجاء، يختار الذهاب إلى بلاد الكفر لمزيدٍ من زينة الحياة الدنيا، للمال وليعيش بين الكفار، فينشأ أولاده بينهم دون إلجاءٍ أو خوفٍ أو ضرورة أو تضييق، يذهب إلى بلاد الكفار مختاراً، فلا شك أنه ظالمٌ لنفسه، وكثيرٌ من الناس يتوسعون هذه الأيام في الهجرة إلى بلاد الكفر، مع ما في ذلك من المخاطر العظيمة عليهم وعلى أولادهم.
ولو كان أحدهم ملجأً مضطراً فالله سبحانه وتعالى يعلم ظرفه، بخلاف ما لو كان مختاراً فإنه ظالمٌ لنفسه.