كان -رحمه الله- صاحب فراسة، إذا ظن شيئاً يكون على ظنه، قال الحميدي: خرجت أنا والشافعي من مكة، فلقينا رجلاً بـ الأبطح، فقلت للشافعي: أزكن ما الرجل؟ -أي: خمن ما عمل هذا الرجل؟ - فقال الشافعي عندما نظر إلى الرجل: نجار أو خياط، قال: فلحقته فسألته عن مهنته، فقال: كنت نجاراً، وأنا الآن أشتغل بالخياطة.
وكذلك وردت قصة أخرى حملها ابن حجر رحمه الله، والقصتان على التعدد؛ لأن هذه شبيهة بتلك، عن محمد بن الحسن والشافعي أنهما كانا قاعدين بفناء الكعبة، فمر رجل فقال أحدهما لصاحبه: تعال حتى نزكن على هذا الرجل الآتي أي حرفة معه، فقال أحدهما: خياط، وقال الآخر: نجار، فبعثنا إليه فسألاه، فقال: كنت خياطاً وأنا اليوم نجار، فتحمل على أنها قصة أخرى.
وكذلك قال الربيع: مر أخي في صحن الجامع، فدعاني الشافعي، فقال: يا ربيع! هذا المار الذي يمشي أخوك؟ قلت: نعم.
ولم يكن رآه قبل ذلك.
وقال المزني: كنت مع الشافعي في الجامع، إذ دخل رجل يدور على النيام الذين ينامون في المسجد، فقال الشافعي للربيع: قم فقل له: ذهب لك عبد أسود مصاب بإحدى عينيه؟ قال الربيع: فقمت إليه فقلت له، فقال: نعم.
فقلت: تعال، فجاء إلى الشافعي، فقال: أين عبدي؟ فقال الشافعي: تجده في الحبس، فذهب الرجل فوجده في الحبس.
قال المزني: فقلت للشافعي: أخبرنا فقد حيرتنا، قال: نعم.
رأيت رجلاً دخل من باب المسجد يدور بين النيام، فقلت: يطلب هارباً، ورأيته يجيء إلى السود دون البيض، فقلت: هرب له عبد أسود، ورأيته يجيء ليرى العين اليسرى، فقلت: مصاب بإحدى عينيه، قلنا: فما يدريك أنه في الحبس، فقال: هذا هو الغالب، أي: أنهم إذا جاعوا سرقوا، وإذا شبعوا أفسدوا، فتأولت أنه قد فعل شيئاً في ذلك، مادام أنه هارب يبحث عن شيء، فقد سرق وأنه في السجن.