كان صلاح الدين رحمه الله رجلاً مغرماً بالجهاد، ومتوقداً حماساً للجهاد في سبيل الله، كان إذا أراد أحد أعوانه أن يتقرب إليه يتكلم إليه في أمور الجهاد، ومحاسن الجهاد، وفضائل الجهاد، وأمر صلاح الدين الكتاب والعلماء بتأليف كتب عن الجهاد، وفضائل الجهاد، كما ألف له العماد الأصفهاني والقاضي الفاضل وبهاء الدين بن شداد، ومن تعلقه أنه قال للقاضي ابن شداد وهو يسير معه في إحدى الغزوات: متى يسَّر الله فتح بقية الساحل قسمت البلاد وأوصيت، وودعت وركبت هذا البحر إلى جزائرهم، أتبعهم فيها حتى لا أبقي على وجه الأرض من يكفر بالله أو أموت.
بهذه النية الصالحة تم لهذا الرجل استرداد بلاد المسلمين.
وهذا الرجل كان يشارك في الجهاد بنفسه، لم يكن يجلس في غرفة القيادة مغلقاً عليه الباب ويوجه.
قال الذهبي رحمه الله تعالى: لعله وجبت له الجنة في رباطه في هذين العامين؛ لأنه حصل له مرض، صار فيه دمامل في جسده يتدمل إذا جلس على الفرس، ومع ذلك جلس عليه وتحمل يصابر الألم طيلة ليلتين، وكان يقول: إذا ركبت الفرس زال عني ألم الدمامل.
وكان رحمه الله تعالى أيضاً يجدد سنة النبي صلى الله عليه وسلم في الجهاد، وكان يحمس حتى الصبيان المسلمين على الجهاد.
وهناك قصة لطيفة ذكرت: عندما طال القتال جداً بين النصارى والمسلمين في بعض المواقع، سئموا القتال، فقال بعضهم لبعض: إلى كم يتقاتل الكبار وليس للصغار حظ، نريد أن يتصارع الصبيان؛ صبيٌ منا وصبيٌ منكم، يقول النصارى للمسلمين، فأخرج صبيان من المسلمين إلى صبيين من الإفرنج، واشتد الحرب بين الصبيان فوثب أحد الصبيين المسلمين إلى أحد الصبيين الكافرين فاختطفه وضرب به الأرض وقبضه أسيراً، واشتد به ليأخذه حتى سار وراءه أحد الفرنجة، وقال: هو أسيرك هو أسيرك، أريد أن أشتريه منك، فباعه منه بدينارين.
ومن الأشياء أيضاً: أن صلاح الدين رحمه الله قرب منه العلماء، كان جيش صلاح الدين ليس محاربين فقط، كان فيهم علماء، ولذلك استدعى العلماء؛ والعلماء أيضاً تحمسوا للحاق بركب صلاح الدين، وكان يسمع منهم الحديث والأسانيد والأحكام، وهيأ الله له بطانةً صالحة من هؤلاء العلماء، وكان منهم الشيخ علي بن إبراهيم بن نجا الأنصاري الحنبلي، وكان منهم الحافظ القاسم بن علي بن حسن بن عساكر، ومن العلماء المجاهدين الفقيه عيسى الهتاري، أسر، فافتداه صلاح الدين بستين ألف دينار من النصارى لتعلم عظم مكانة العلماء عند صلاح الدين، ومنهم الشيخ أبو عمر المقدسي لا يترك معه معركة إلا حضرها، والشيخ عبد الله المنيني الملقب بـ أسد الشام؛ وكان أماراً بالمعروف لا يهاب الملوك، ومن العلماء المشهورين جداً الذين كانوا مع صلاح الدين: الحافظ عبد الغني المقدسي، والعالم المجتهد الرباني ابن قدامة المقدسي صاحب كتاب المغني المشهور، لأن آل قدامة كانوا يقاتلون مع صلاح الدين، وكان يقرب هؤلاء الفضلاء ويغدق عليهم ويعطيهم.