إن الزواج ليس وسيلة لحفظ النوع الإنساني فحسب، بل هو وسيلة للاطمئنان النفسي والهدوء القلبي والسكون الوجداني، إنه سكن للنفس ومتاع لها، وطمأنينة للقلب وإحصان للجوارح، ونعمة وراحة، وسنة وستر وصيانة، وهو سبب لحصول الذرية التي تنفع الإنسان في الحياة وبعد الممات، وهو عقد لازم، وميثاق غليظ، وواجب اجتماعي، وسبيل مودة ورحمة بين الرجال والنساء؛ يزول به سبب من أعظم أسباب اضطراب النفس البشرية التي لا ترتاح إلا بزواله، فيكون هذا الزواج راحة للنفس وطمأنينة، فالمرأة سكن للرجل وكرامة ونعمة تجلب إليه بصلاحها الأنس والسرور، والغبطة والحبور، وتقاسمه الغموم والهموم، ويكون بوجودها بمثابة السيد المخدوم والملك المحشوم، فمسكين رجل بلا امرأة، ومسكينة امرأة بلا رجل.
ولو لم يكن في النكاح إلا سرور النبي صلى الله عليه وسلم يوم يباهي كل نبي بأمته، ولو لم يكن منه إلا هذا التكاثر الذي يترتب عليه سرور محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة بهذه الأمة لكان ذلك كافياً في الرغبة فيه، ولو لم يكن منه إلا ألاَّ ينقطع عمل الإنسان بعد موته بهذا الولد الصالح الذي يدعو له بعد وفاته لكان سبباً في الرغبة فيه، ولو لم يكن فيه إلا أن يخرج من صلبه من يشهد لله بالوحدانية، ولمحمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة لكان ذلك كافياً، ولو لم يكن فيه إلا غض بصره وإحصان فرجه عن التفاته إلى ما حرم الله، ولو لم يكن فيه إلا تحصين امرأة يعفها الله به ويثيبه على قضاء وطره ووطرها لكان ذلك كافياً، ولو لم يكن فيه إلا احتساب الأجر في النفقة على المرأة في كسوتها ومسكنها؛ ورفع اللقمة إلى فيها لكان ذلك كافياً، ولو لم يكن فيه إلا إغاظة أعداء الإسلام لتكثير أبناء الإسلام لكان ذلك كافياً، ولو لم يكن فيه إلا إعفاف النفس عن الحرام وقطع السبيل على من يروج الحرام لكان ذلك كافياً، فكيف لو اجتمعت هذه الأسباب في رجل صالح؟!