[دعوة للمحاسبة]
الحمد لله الذي جعل في تعاقب الليل والنهار عبرةً لأولي الأبصار، أحمده سبحانه لا إله إلا هو العزيز الغفار، وأشكره وأثني عليه الخير كله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، وأصلي وأسلم على أعدل الخلق وأكرم المرسلين، من أرسى الله به قواعد الدين، وأنار معالمه للعالمين.
أما بعد فيا عباد الله: اتقوا الله وخذوا من تجاربكم وتصرم الأيام والأعوام أمامكم عبراً ودروساً، فكم في ممر الأيام والأعوام من عبر! وكم من تصرم الأزمان والأحوال من مدكر! كم في ذلك مما يذكر بأن لكل شيءٍ من المخلوقات نهاية، فجمعتكم هذه هي آخر جمعة في هذا العام الهجري، وبعد أيامٍ قلائل سيطوى سجله، ويختم عمله، ويبقى عامنا شاهدٌ علينا بما أودعناه من خيرٍ أو شر، وإذا كان أهل الأموال يعملون لتصفية حساباتهم والجرد في آخر كل سنة مالية أو تجارية؛ لينظروا الطرق التي استفادوا منها فيكثرون منها، والطرق التي خسروا فيها فيجتنبوها.
فما أحرى بالمسلم أن يقف مع نفسه في مثل هذه المناسبة مذكراً لها ومحاسباً عما حصل منه في العام الماضي! ليقف كلٌ منا مع نفسه محاسباً لها: ماذا أسلفت فيه من خير؟ وماذا أسلفت فيه من شر؟ وإذا كان خيراً فليزدد، وإن كان شراً فليتب إلى الله عزَّ وجلَّ، وإن كان من حقوق المخلوقين رد المظلمة إلى صاحبها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كانت له عند أخيه مظلمة فليتحلل منه قبل ألا يكون درهماً ولا ديناراً) وإنما القصاص بالحسنات والسيئات.
عباد الله: تلك أيامٌ قد خلت، ولكن أحصاها الله عزَّ وجلَّ وأحصى ما عُمل فيها، وسيأتي الناس يوم القيامة عملوا أعمالاً بعضهم نسيها وأحصاها الله عزَّ وجلَّ {أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ} [المجادلة:٦].
وينبغي أن نحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب، ونحن اليوم أقدر على الحساب منا عليه غداً، وما ندري ما يأتي به الغد، فليكن ختام العام مناسبة حسابٌ لنا، ووقفة نصحح بها مسارنا، ولحظة صدقٍ مع أنفسنا، نأخذ من يومنا لغدنا، ونستعد لما سيأتي، والمؤمن بين مخافتين: أجلٍ قد مضى لا يدري ما الله صانع فيه، وأجلٍ قد بقي لا يدري ما الله قاضٍ فيه، فليتخذ العبد من نفسه لنفسه، ومن دنياه لآخرته، ومن الشبيبة قبل الهرم، ومن الصحة قبل المرض، ومن الغنى قبل الفقر يبادر الأعمال قبل أن تهدم عليه الأعراض فتمنعه من العمل.
أيها الإخوة يقول المحللون الاقتصاديون: إن الشهر القادم سيكون شهر التنفيذ الفعلي والتخطيط العملي لإجازات الناس السنوية، وفيه سيحجزون للأسفار، ويقررون ماذا يعملون في الإجازات، ولابد أن تكون هذه المسألة تابعة للمحاسبة التي أسلفنا الكلام عنها قبل قليل، وأن يكون نهاية العام استعداد لطاعة الله عزَّ وجلَّ في العام الذي يليه، وليس استعداداً للمعصية، ويتوقع الفرنسيون أن أربعين ألفاً منا سيذهبون إلى بلاد الكفر لينفقوا الأموال في معصية الله ودعم الكفرة واقتصادهم، وبعض الناس لما ضاقت بهم الأموال شيئاً ما وجاء موسم الحج، قالوا: لا يجتمع عندنا المونديال والحج، فقرروا تأخير الحج، وقالوا: هذا المال المتوفر سنذهب به إلى المونديال، أخروا فريضة الله تعالى لأجل الكرة، وليت شعري ماذا تفعل العوائل والبنات والنساء وربات البيوت بشأن الكرة؟! وإلى أي مذهبٍ سيذهبون؟! وكذلك -أيها الإخوة- الذين ينوون الذهاب إلى بلاد الكفر لأي غرض غير مشروع، ليس لحاجة شرعية ولا لعذر شرعي ندعوهم لأن يتقوا الله تعالى في أنفسهم، وبعض الذين قرروا الذهاب إلى بلاد الفجور فقد لا تكون كفراً، ولكن فجور متناهٍ في الفجور لا يقل عن فجور الكفرة، فعليهم أن يتقوا الله أيضاً، وأن يجعلوا من تخطيطهم للإجازة ما يرضي الله عزَّ وجلَّ.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يهيئ لنا من أمرنا رشداً، وأن يجعلنا من القائمين بحقوق أنفسهم وأولادهم على الوجه الذي يرضيه عنا.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل المسلمين، اللهم اجعل بأس أعداء الدين بينهم، واجعل تخطيطهم تدميراً عليهم.
اللهم إنا نسألك الأمن لهذه البلاد، وسائر بلاد المسلمين يا رب العباد، اللهم إنا نسألك الأمن يوم الفزع الأكبر، اللهم إنا نسألك أن تبيض وجوهنا وتثقل موازيننا يا رب العالمين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.