للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ضرر الجهل بحدود الله]

لا شك أن الإنسان لا يمكن أن يعمل عملاً صالحاً دون أن يكون عنده علم يعمل بناء عليه، ومعرفة الأحكام وحدود الله تعالى هي التي تجنب الإنسان من الوقوع في الضلال.

وقد ذم الله تعالى في كتابه من ليس عنده علم بحدود ما أنزل الله على رسوله، والذي ليس عنده علم سيقع في أحد محذورين: الأول: أن يدخل في الشيء الحرام أمراً ليس منه، أو في الشيء الحلال أمراً ليس منه، ويسوي بينهما، فيجعل الشيء مباحاً وهو ليس بمباح، أو يجعله محرماً وهو ليس بمحرم، وقد يُخرج من شيء أباحه الله أمراً يحرمه بهواه، أو يخرج من شيء حرمه الله شيئاً أباحه الله بهواه، أو العكس.

فمثلاً: الخمر حرَّمها الله، وهو اسم شامل لكل مسكر، فيأتي رجل ويخرج من المسكر شراباً معيناً، ويقول: هذا حلال، بهواه أو بجهله، فيفرق بين ما سوت الشريعة بينه في الحكم.

أو يُخرج نوعاً من الربا، ويقول: هذا ليس رباً، والربا إذا كان (٥%) فهو حلال، وإذا كان (١٥%) أو أكثر فهو حرام!! ما هذا التفريق؟! إنه تفريق ضلال؛ لأن الشريعة سوَّت بين الربا في كل صوره وأشكاله.

أو يقول: الربا إذا كان على فقير فهو حرام، أما إذا أخذته من غني فهو حلال، ويفرق بين ما سوت الشريعة بينه من الصور.

وكذلك لو أنه أدخل في النكاح ما ليس بمسمى النكاح الشرعي، ويقول: هذا نكاح شرعي، فيسوي بين حرام وحلال، والله أباح النكاح، وهذا قد أدخل في النكاح صورة من صور النكاح ليست حلالاً؛ كنكاح الشغار، ونكاح المتعة إلى آخره.

إذاً: العلم هو الذي يميز به الإنسان حدود الله تعالى، والمقصود من اجتماع الناس وتعاشرهم هو التعاون على البر والتقوى، لأن الله يعلم أن الإنسان بمفرده لا يستطيع أن يُقيم الدين كله، ولا أن يتعلم الدين كله، وأن الناس لا يزال يتعلم بعضهم من بعض، ويعاون بعضهم بعضاً على إقامة الدين، ولذلك قال: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة:٢] ومن حكمة الله أن جعل الناس يحتاجون إلى بعض، ويعيشون مع بعض، وأن الإنسان لا يستطيع أن يعيش لوحده منفرداً؛ فالإنسان مدني بطبعه، واجتماعي بطبعه.