[أوصاف الصراط]
وصف النبي صلى الله عليه وسلم الصراط بعدة أوصاف: أولاً: أنه زلقٌ؛ فقد جاء في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قلنا: (ما الجسر يا رسول الله؟ قال: مدحضة مزلة) ومعنى مدحضة: أي: تزلق فيه الأقدام.
ومزلة أي: تسقط فيه الأجساد والأرجل.
إذاً: أول صفة للصراط أنه مضروب على متن جهنم من الطرف إلى الطرف.
أتدرون -يا عباد الله- ما سعة جهنم؟ يؤتى بها ولها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها، وعمقها إذا رمي الحجر من شفيرها لا يصل إلى القعر إلا بعد سبعين عاماً وإذا كان الواحد من أهل النار ضرسه كالجبل، وما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعين سنة من الدم والقيح، فكيف سيكون سعة جهنم؟ يانياً: أ، هـ دحض مزلة.
ثالثاً: أن له جنبتين وحافتين كما جاء في حديث أبي بكرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يحمل الناس على الصراط يوم القيامة، فتتقادع بهم جنبتا الصراط تقادع الفراش في النار)، وهذا حديث حسن، أخرجه ابن أبي عاصم رحمه الله تعالى وغيره.
ومعنى: تتقادع بهم جنبتا الصراط: أي: يسقط بعضهم فوق بعض.
وإذا جاء في بعض صفات هذا الصراط أنه أدق من الشعر فهل يكون لبعض الناس دون بعض؟ أو يكون في مرحلة دون مرحلة؟ أو هو من علم الله بالغيب الذي لا يمكن أن ندركه؟ كيف يكون له جنبتان وهو أدق من الشعرة؟ نقول: إن الله على كل شيءٍ قدير، فتتقادع جنبتا الصراط بالناس تقادع الفراش في النار، تسقطهم فيها بعضهم فوق بعض؛ تتلاعب بالناس تلاعباً.
رابعاً: أن له كلاليب على حافتيه؛ فقد روى مسلم -رحمه الله- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة مأمورة بأخذ من أمرت به)، وفي حديث أبي سعيد: (قلنا: يا رسول الله! ما الجسر؟ قال: مدحضة مزلة، عليه خطاطيف وكلاليب وحسكة مفلطحة لها شوكة عقيفاء، تكون بـ نجد يقال لها: السعدان) رواه مسلم.
وفي البخاري عن أبي هريرة: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في صفة الصراط: (وبه كلاليب مثل شوك السعدان أما رأيتم شوك السعدان؟ قالوا: بلى يا رسول الله.
قال: فإنها مثل شوك السعدان، غير ألا يعلم قدر عظمها إلا الله).
قال الشراح: الكلاليب: جمع كلوب، وهو حديدة معطوفة الرأس يعلق عليها اللحم.
والخطاف: الحديدة المعوجة كالكلوب يختطف بها الشيء.
والحسكة: شوكةٌ صلبةٌ معروفة؛ وقيل: نبات له ثمر خشن يتعلق بأصواف الغنم.
والمفلطحة: العريضة.
والعقيفاء: المعوجة.
وشوك السعدان: نبات ذو شوك يَرعى البدو إبلهم عنده، وهو مشهور بـ نجد، يقال: مرعى ولا كالسعدان.
أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يقرب لهم كيف تعلق هذه الكلاليب بأجساد الناس، وكيف تتخطف هذه الخطاطيف الناس، وتعلق بأجسادهم مثل شوك السعدان الذي يعلق، وإذا نشب لا يخرج.
خامساً: أن حده مثل حد الموسى أو حد السيف؛ كما جاء في حديث سلمان رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ويوضع الصراط مثل حد الموسى، فتقول الملائكة: من يجيز على هذا؟ فيقول الرب عزَّ وجلَّ: من شئت من خلقي.
فيقولون: ما عبدناك حق عبادتك) أخرجه الحاكم وإسناده صحيح.
وفي حديث ابن مسعود الطويل:) والصراط كحد السيف دحض مزلة).
إذاً: هو حاد جداً مثل حد السيف أو الموس، وبه خطاطيف وكلاليب تنهش الناس يميناً وشمالاً، ومن أسفل حدٌ كحد السيف يقطع من يمر عليه، وهو يروغ بالناس تتقاذفهم جنبتاه، فيتساقطون في جهنم إلا من شاء الله.