للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الصبر على الابتلاء]

ختاماً: لابد أيها الإخوة من الاستعداد لمواجهة الابتلاء، وهذا ملمح مهم من الملامح التي لا بد أن نبينها، والله يبتلي عباده، والله يبتلي بالسراء ويبتلي بالضراء، يبتلي بالضراء في أشياء كثيرة، قال تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً} [آل عمران:١٨٦]، ويقول: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ} [البقرة:١٥٥].

فالابتلاء سنة الله في عباده المؤمنين، ولابد من الابتلاء للتمحيص، ليمحص الله عز وجل عباده، يبلوهم بالشر وبالخير يبلوهم بالضراء والسراء، لا يمكن أن يعيش العبد بغير ابتلاء أبداً.

ونقول: بالسراء وبالضراء، حتى أن بعض الناس عندما يقولون: نحن ما ابتلينا بالضراء، هل يعني أنه ليس فينا خير؟ نقول: لا، هناك من أبناء الصحابة والتابعين لم يبتلوا بالضراء، فلعلهم عاشوا في عصور زاهية، عصور عز للإسلام، لكنهم ابتلوا بالسراء، ثم إن الإنسان لا يعدم أن يبتلى بشيء من الأشياء بفقد ولد أو والد، أو عزيز، أو مال ونحو ذلك، فلابد أن يحصل له ابتلاء من الابتلاءات.

وقد يدفع الله عن الناس الابتلاء بأذكار الصباح والمساء: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق) (باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم) (اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي، واحفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن اغتال من تحتي) قال وكيع: أي: الخسف.

إذاً: أدعية قد يقي الله بها عباده شرور كثيرة، وآفات عظيمة، واظبوا عليها.

أيها الإخوة: لو وقع الابتلاء فماذا يكون الموقف؟ هذا موضوع طويل كنت أتمنى أن تتاح الفرصة لكي أتكلم عنه بشكل مستقل، ولكن لحاجة في نفسي كنت أقول: إنه يدرج في الموضوع إدراجاً، وإن كنت أرى أنه لابد أن يفرد بشيء، أو تحت عنوان، مثل: (التصرف الصحيح عند الابتلاء) ولعله يحصل، لكنني أقول مجملاً ومختصراً: لابد أن نصبر، ولابد من التربية قبل الابتلاء، ولابد من الصبر معه، ولابد من الإخلاص بعده، فلا نحدث الناس على سبيل التفاخر بالأشياء التي حصلت لنا، وأوذينا وحصل لنا، لا.

فإذا نزل الابتلاء لابد أن تكون هناك تربية قوية، وإلا لا يمكن أن يصبر الإنسان.

ثانياً: لابد من الصبر وعدم الجزع والفزع، فإن بعض الناس إذا ابتلوا فقدوا صوابهم، وطارت عقولهم، وقالوا: من أين أوتينا؟! لابد من الرضا بقضاء الله عز وجل، لو وقع عليك شيء هذا قضاء الله وقدره، وأنت تقدم للإسلام تحتسب هذا عند الله، ولا مانع أن تدفعه ما أمكنك، ولا نقول للمسلم: إذا وقع عليك ابتلاء استسلم تماماً، حاول أن تدفعه عن نفسك بما تستطيع، ولا تخبر به رياء، ولا تشتكي إلى الخلق.

في أحد المجالس كنا عند الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله، فجاء رجل من بلد من البلدان الإسلامية، قال: يا شيخ! أنا محتاج إلى مساعدة، قال الشيخ: هات أناساً يزكوك، قال: ليس عندي، أنا طلبت العلم، وأنا دخلت السجن وعذبوني، قال له الشيخ: أنت طالب العلم، إذاً أنت تعلم من بديهيات الأشياء أن الشخص لابد له من أناسٍ يزكوه، قال: يا شيخ! أنا عذبت، قال له الشيخ: لقد ابتلي من هو أفضل منك بأكثر من هذا فصبر.

إذاً اسكت من الشكوى إلى الخلق، إذا أوذيت فاحمد لله، فتؤجر إذا أصلحت النية، ونقول: (لا تمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاثبتوا) والإنسان لا يقول: أين الابتلاء؟ أنا مستعد لمجابهته أنا إيماني قوي وحديد ونار، لا، أنا حديد ونار على من يعتدى لكن تعال أنت الآن واعمل بهذه القاعدة الإسلامية: (لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية، وإذا لقيتموهم فاثبتوا).

فهذه وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لنا، الصبر على الابتلاء، وعدم إيذاء المسلمين، وعدم التسبب في أي شيء يؤذي المسلمين.

ألم تر قول الراهب للغلام: فإن ابتليت فلا تدل علي، لأن الإنسان قد يبتلى ويحصل له أي شيء، لكن لا يتسبب في أذى لأي شخص آخر من المسلمين، ويقي بنفسه إخوانه.

أقول: إن الأمر لعله يكون شيئاً مما كان مع موسى وفرعون، وأختم لكم بهذه الآيات: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} [القصص:٤ - ٦] كانوا يخشون أن يظهر غلام من بني إسرائيل يكون على يديه تقويض عرش مملكة فرعون، ولكن إذا قضى الله أمراً فلابد أن يكون.

أيها الإخوة: هذا استضعاف بني إسرائيل، وهذا التمكين حصل لهم بعده، والدعوات من بعدهم، فما يدرينا أن الله سبحانه وتعالى يبتلينا الآن، ويتسلط علينا الأعداء من كل جانب، لكن تكون النتيجة في النهاية نصراً للإسلام والمسلمين، وما ذلك على الله بعزيز، والله لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، فلا تستبعد يا عبد الله نصراً قريباً للإسلام، ولكن علينا العمل، والمتابعة، وبذل الجهد، والإخلاص، والتربية، والتعلم، والإعداد للجهاد، إن هذه المسئوليات علينا لابد أن نقوم بها لله عز وجل.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، والحمد لله أولاً وآخرا.