وهناك بعض الحالات التي يجوز فيها الجهر بالسب والشتم: كما إذا سب آلهة الكفار لإغاظتهم دون أن يكون هناك منكر أكبر من ذلك يترتب عليه، ولذلك قال أبو بكر رضي الله عنه للمشرك:[امصص بضر اللات]، وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم:(من تعزى بعزاء الجاهلية- أي: تعصب العصيبة الجاهلية- فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا) أي: قولوها بصراحة اللفظ، من باب زجره، والمراد بهن أبيه، أي: ذكر أبيه، يقال له ذلك: اعضضه، إذا تعزى بعزاء الجاهلية.
وكذلك في استنطاق القاضي للمعترف بالزنا، كما قال الصحابي في كلمة النبي صلى الله عليه وسلم لـ ماعز، ثم قال الصحابي، ولا يكني لأجل الحاجة، لأن المسألة فيها إزهاق روحه وقتله، فلا بد من استنطاقه باللفظ الصريح.
وكذلك قال النووي رحمه الله تعالى:"يجوز للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، وكل مؤدب أن يقول لمن يخاطبه في ذلك الأمر ممن فعل شيئاً سيئاً: ويلك! أو يا ضعيف الحال! أو يا قليل النظر لنفسه! أو يا ظالم نفسه! وما أشبه ذلك، بحيث يؤدبه بمثل هذا، وهذه حاجة في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".
والحاصل أيها الإخوة! أن الباعث على الفحش إما أن يكون قصد إيذاء الناس، أو العادة التي جرت بمخالطة أهل الفسق واللؤم والخبث، فإن الاعتياد في مخالطة الفساق يسبب تكرار مجالستهم، والاستماع إليهم، والتعود على ألفاظهم، وزوال شناعتها من النفس، والتلفظ بها في تقليدهم والاقتداء بهم.
وما فعلته الأقلام الهابطة في القصص السيئة الماجنة، والأفلام المنحطة، ما فعلته في نشر السباب والشتائم والألفاظ الشنيعة، وإزالة الحياء والكلام في العورات، والكلام في الرفث والجماع ونحو ذلك، أمر عظيم جداً، وأثره في الأجيال واضح للغاية، وأصحاب السوء، والناس في الشوارع الذين يتعلم منهم بقية الأولاد الصغار السباب والشتائم أمر واضح جداً.
لقد أقيمت في بعض الأماكن مسابقة بعنوان: أبو عيون جريئة، يكون الفائز فيها أوقح الشبان وأقلهم حياءً وأدباً، فتصور ذلك في مجتمع من مجتمعات المسلمين إلى هذه الدرجة، من أوقح وأشد شناعة في لفظه هو الذي ينال الجائزة.