كان رحمه الله يهتم باللغة العربية كما أسلفنا، ويقاوم اللحن، واللحن: هو الخطأ في الكلام: جاء رجل إلى الحسن البصري فقال: يا أبا سعيد! ما تقول في رجل مات وترك أبيه وأخيه؟ والصحيح أن يقول: وترك أباه وأخاه- فقال الحسن: ترك أباه وأخاه -يصحح له اللغة في السؤال- فقال له -هذا السائل وكان فيه غفلة-: فما لأباه وأخاه؟ -الآن السائل جاء بحرف الجر وأخطأ ثانية والصحيح أن يقول: فما لأبيه وأخيه! - فقال له الحسن: إنما هو فما لأبيه وأخيه؟ قال الرجل: يا أبا سعيد! ما أشد خلافك علي! -لا بد أن تخالفني، مرة أقول لك: أباك وتقول لي: أبيك، ومرة أقول وأرجع إلى قولك، فتعيب عليَّ أيضاً- قال: أنت أشد خلافاً عليَّ، أدعوك إلى الصواب وتدعوني إلى الخطأ! كان في ذلك الوقت أناس قد دخلوا من الأعاجم في الإسلام وأولاد الإماء، فصار هناك لحن في اللغة؛ لأن هناك أناساً أمهاتهم فارسيات ومن الأعاجم فحصل لحن، واللحن كثير في الكلام، تغيرت اللغة في ألسنة كثير من الناس، فكان الحسن يقاوم ذلك.
قال رجل للحسن: يا أبي سعيد! فقال الحسن: أكَسَبْ الدوانيق شغلك عن أن تقول: يا أبا سعيد؟! يقول: هل البيع والشراء أشغلك عن تعلم اللغة، صرت لا تعرف أن تقول للمنادى المنصوب: يا أبا سعيد؟! وقرع رجل على الحسن البصري الباب، وقال: يا أبو سعيد! فلم يجبه، فقال: يا أبي سعيد، فقال الحسن: قل الثالثة وادخل ما دام قال: يا أبو، ويا أبي، بقيت واحدة وهي الصحيحة، فقال الحسن: قل الثالثة وادخل.