للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[استعراض لبعض طباع بني آدم]

وبعض الحشرات يدخر لنفسه قوت سنة، وبعضهم يتكل على الله ثقة به مثل الطيور، وكذلك البشر بعضهم يدخرون لسنوات طويلة، وبعضهم إذا كسبوا أنفقوا على أنفسهم بالمعروف، وتصدقوا وعلموا أن الله سيرزقهم في الغد، وهو يرزقهم فعلاً لما صدقوا الله من التوكل.

ومن الحيوانات من يعول ولده، وبعضهم لا يعرف ولده، بل يلده ويذهب عنه، وبعض الإناث تكفل ولدها لا تعدوه، وبعضها تضع ولدها وتكفل ولد غيرها، وبعضها لا تعرف ولدها إذا استغنى عنها، وبعضها لا تزال تعرفه وتعطف عليه، وبعض الحيوانات يعرف الإحسان ويشكره، وبعضها لا يعرف الإحسان ولا يشكره، وبعضها يؤثر على نفسه، وبعضها إذا ظفر بما يكفي أمة من جنسه لم يدع أحداً يدنو منه.

وبعضها لا يأكل إلا الطيب، وبعض الحيوانات يأكل الطيب والخبيث.

بعض الحيوانات يأكل الطيب فقط، وبعض الحيوانات يأكل الخبيث فقط مثل الخنزير، وكذلك الناس في معايشهم اليوم، من وفقه الله لكسب الحلال لا يأكل إلا طيباً، ومن أغواه الشيطان فولغ في الحرام فكل نفقته حرام في حرام، يضعون نقودهم في البنوك الربوية في الخارج، ويتقاضون من روائها الفوائد الربوية، منها يعيشون، وعليها يتقوتون، ومنها يغذون أطفالهم وأولادهم: (وكل لحم نبت من سحت فالنار أولى به).

وبعض الحيوانات لا يؤذي إلا من آذاه، وبعضها يؤذي من لا يؤذيه وهكذا البشر، وبعضهم حقود لا ينسى الإساءة، وبعضهم يستقبح القبيح وينفر منه، وبعضهم لا يستقبح القبيح ولا يعرف الحسن، وبعض الحيوانات تتعلم بسرعة، وبعضها تتعلم ببطء، ولذلك فإن الذي يعاشر هذه الأصناف من الحيوانات فإنه يتأثر بها ولا بد.

وبعض الحيوانات يخدع بسهولة، وبعضها لا يخدع بسهولة، كذلك البشر منهم فطن ينتبه، ومنهم من لا ينتبه ويقع في أول فخ ينصب له، قال بعض الصيادين: ربما رأيت العصفور على الحائط فأومئ بيدي كأني أرميه فلا يطير، أتظاهر بأني أرميه وليس في يدي شيء فلا يطير، وربما أهويت إلى الأرض كأني أتناول شيئاً ولكن لا أتناول شيئاً فلا يتحرك، فإن مسست بيدي أدنى حصاة أو حجر أو نواة طار قبل أن تتمكن منها يدك، وهذا مشاهد في من عرف طبيعة الطيور.

وكذلك أيها الإخوة! ينبغي للإنسان المسلم أن لا يكون خبّاً، وأن لا يخدعه الخبّ فلا يكون لئيماً ماكراً، ولكن لا يدع الماكرين الخبثاء ينالون منه في شيء، وهذا باب واسع جداً، ولو ظللنا نسرد ما فيه لطال بنا الوقت، ولكن تأمل -يا أخي- في النهاية إلى تدبر السلف لهذه الآية: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} [الأنعام:٣٨] الطباع تتشابه: {إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام:٣٨].

اللهم عالم الغيب والشهادة، فاطر السماوات والأرض، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدنا لم اختلف فيه من الحق بإذنك.

اللهم حسّن أخلاقنا، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت.

اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح ذات بيننا، واجعل بلدنا رخاءً سخاءً وسائر بلاد المسلمين، وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.