يحشر الناس أجمعون يوم القيامة، قال صلى الله عليه وسلم:(تحشرون حفاةً عراةً غرلاً، قالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله! الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض؟!! -عفة عائشة المفقودة في كثير من بنات جنسها في هذا الزمان، حياء عائشة المفقود في كثير من بنات هذا الزمان- فقال: الأمر أشد من أن يهمهم ذلك) حفاةً: لا شيء في أقدامهم من خفٍ، أو نعل.
عراةً: متجردين من الثياب.
غرلاً: غير مختونين، والأغرل من بقيت غرلته وهي القلفة (الجلدة) التي تقطع في الختان، يحشرون كما خلقوا، لا شيء معهم، لا يفقد منهم شيء، حتى الغرلة تكون معهم، يحشرون حفاةً عراةً مشاةً كما جاء في حديث آخر، قالت عائشة: الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض؟!! فأخبرها النبي صلى الله عليه وسلم أنهم مشغولون، ليس لديهم أي اهتمام لهذا النظر، وفي رواية:(يا رسول الله! واسوءتاه! ينظر بعضنا إلى بعض؟!! فقال: وشغل الناس، قلت: ما شغلهم؟ قال: نشر الصحائف فيها مثاقيل الذر ومثاقيل الخردل) كل الأعمال الصغيرة والكبيرة، قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير محمد بن موسى وهو ثقة.
والمتكبرون يحشرون كأمثال الذر في صور الرجال كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(يغشاهم الذل من كل مكان) كما تكبروا في الدنيا يجعلهم الله على صور الرجال، لكن المقاس والحجم حجم النمل والذر، يطؤهم الناس بأقدامهم، ويحشر الكفار {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى}[طه:١٢٤ - ١٢٦] يحشرون عمياً، وقال الله في آية أخرى:{الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً}[الفرقان:٣٤] عن أنس أن رجلاً قال: (يا نبي الله! كيف يحشر الكافر على وجهه؟ -الوجه يكون بمثابة القدمين فيمشي على وجهه، وجهه إلى الأسفل ورجلاه إلى الأعلى- قال صلى الله عليه وسلم: أليس الذي أمشاه على الرجلين في الدنيا قادراً على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة؟) قال قتادة: [بلى وعزة ربنا] والكافر الذي لم يسجد لله في الدنيا يعاقب بأن يسحب على وجهه في القيامة إظهاراً لهوانه، فويل لتارك الصلاة الذي لا يركعها، الذي لا يسجد لله رب العالمين، حيث يحشر على وجهه، ويمشي على وجهه، ويعفر بالتراب ويلاقي ما يلاقي، يحشرون يوم القيامة عمياً وبكماً وصماً.
والشياطين تحشر:{فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً}[مريم:٦٨] جاثون على الركب، وقال الله في شأن الكفرة والفسقة والفجرة:{احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ}[الصافات:٢٢ - ٢٣] ومعنى أزواجهم: أشباههم ونظراؤهم، ومن هو على شاكلتهم، فيحشر اليهود معاً، والنصارى معاً، ومن أحب اليهود والنصارى حشر معهم، ويحشر الزناة مع الزناة، والمرتشون مع المرتشين، والمرابون مع المرابين:{احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ}[الصافات:٢٢] كل طائفة على حدة يحشرون معاً، ومن أحب قوماً حشر معهم، فمن أحب مغنياً كافراً، أو ممثلةً فاسقةً فاجرةً، كل أولئك يحشرون سوياً {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ}[الصافات:٢٢] المقتدون بهم في أفعالهم، القرناء يحشرون معاً، وما يقع على هذا يقع على الآخر، ويناله نصيبه منه، ولا يبقى شيءٌ إلا ويحشر حتى الوحوش، قال الله تعالى:{وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ}[التكوير:٥] أي: جمعت، وقال الله:{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ}[الأنعام:٣٨] فيحشر كل شيء حتى الذباب كما قال ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه.
قال عليه الصلاة والسلام:(يحشر الخلائق كلهم يوم القيامة، والبهائم والدواب والطير وكل شيء، فيبلغ من عدل الله أن يأخذ للجماء من القرناء) التي لها قرون ونطحت أخرى ليس لها قرون، يقتص الله للمنطوحة من الناطحة وهذا من كمال عدل الله، ثم يقول لهذه الدواب والطيور والوحوش: كوني تراباً، فذلك حين يقول الكافر:{يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً}[النبأ:٤٠] ثم يبقى الذين قد كلفوا ليكون الحساب عليهم، يكون الحساب في ذلك الموقف العظيم، وأما حشر التجار، فقد جاء فيه حديثٌ خاصٌ عن البراء بن عازب، قال:(أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البقيع، فقال: يا معشر التجار! حتى إذا اشرأبوا -ورفعوا رءوسهم- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن التجار يحشرون يوم القيامة فجاراً إلا من اتقى وبر وصدق) إلا من اتقى في بيعه وشرائه، ولم يبع المحرمات، ولم يبع بطريقة محرمة، ولا غشَّ في تجارته، وبرَّ في يمينه، لأنهم كثيراً ما يحلفون على الكذب وهم يعلمون، وصدق.
تاجر: تاء التقوى، والألف أمانة، والجيم جرأة يحتاج إليها التجار، والراء رحمة، لكنهم في كثير من الأحيان بعيدون عن ذلك إلا من رحم الله، وفي هذا الحديث دليلٌ واضحٌ على حشر التجار الفجار، فإن الكثير يستغلون بجشعهم حال الناس، وكثيرٌ منهم يحتكر، وهم من أكبر أسباب رفع الأسعار في البلاد، ولذلك يحشرون فجاراً إلا من رحم الله، فإنهم يكرمون مع الآمنين المؤمنين.