عباد الله: إن من الأمور التي تعين على إصلاح القلب وإخفاء العمل الخلوة المشروعة، فلا بد للعبد أن يكون له مجالس يخلو فيها بذكر ربه، وتعداد ذنوبه، ومحاسبة نفسه، وإصلاح قلبه، وطلب المغفرة من ربه.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: لا بد للعبد من أوقات ينفرد بها بنفسه في دعائه وذكره وصلاته وتفكره ومحاسبته، قال طاوس رحمه الله: نعم صومعة الرجل بيته، يكف فيها بصره ولسانه.
إذا أراد الإنسان تحقيق علم أو عمل فتخلى في بعض الأماكن مع محافظته على الجمعة والجماعة؛ فهذا حق كما ذكر شيخ الإسلام رحمه الله، ومن أجل ذلك شرع الاعتكاف؛ لقطع النفس عن العلائق والانشغالات الدنيوية حتى يصفو القلب ويتهذب، لكن ليست خلوة صوفية في كهف من الكهوف أو برية من البراري ينقطع الإنسان بها عن المجتمع وعن المسجد، وعن الجمعة والجماعة، وعن تعليم الناس وإنكار المنكر كلا، بل هي خلوة وقتية يخلو في بيته، أو يخلو في بيت الله معتكفاً يحاسب نفسه، لا بد من خلوة (ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه) فهو من السبعة الذين يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
وجرب -يا عبد الله- مسألة الخلوة هذه، في مكتب أغلق عليك، أو في حجرة في بيتك، اعبد ربك واذكر ذنبك، وحاسب نفسك، واستغفر الله تعالى؛ تجد لها أثراً ولابد.
الخلوة مسألة مهمة في إصلاح القلب، ومن فقد أنسه فقد الخشوع والأنس بالله، فقد مظاهر الإيمان، من فقد أنسه بين الناس ووجده في الوحدة فهو صادق ضعيف، ومن وجده بين الناس وفقده في الخلوة فهو معلول مريض، الذي لا يجد الخشوع إلا بين الناس، فإذا خلا بنفسه لا يجد خشوعاً؛ فهذا مريض، ومن فقده بين الناس وفي الخلوة فهو ميت مطرود، ومن وجد في الخلوة وبين الناس حلاوة الإيمان والخشوع والخوف من الله فهو المحب الصادق القوي، وليتنا هكذا! ومن كان هذا حاله في الخلوة لم يكن مزيده إلا منها، ومن كان لا يستشعر الإيمان إلا إذا جلس مع الناس لم يكن مزيده إلا معهم، ومن كان يجد تلك الحلاوة في أي مكان كان فهذا عبد الله حقاً حقاً.