[الحسد]
من أسباب رفض الحق الحسد، يرى أنك على حق فيحسدك، ولا يعمل بما أنت عليه.
والحسد قضية قديمة، قال تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} [البقرة:١٠٩].
فاليهود والنصارى يريدون صدنا عما نحن عليه من الحق، وهم يعلمون أنه حق؛ حسداً من عند أنفسهم، وهناك حادثة رواها ابن إسحاق مع ما فيها من جهالة عين أحد الرواة، لكنها تصور واقعاً ولا تترتب عليها أحكام، فنحن نسوقها للفائدة، قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال: حدثت عن صفية بنت حيي بن أخطب -وهي المرأة اليهودية التي أسلمت، وتزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي أمنا، لأنها أسلمت وصارت أم المؤمنين، والإسلام يجب ما قبله، ولا اعتبار لأي انتسابات أخرى، ونحبها، ونوقرها، توقير آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنها من أزواج الرسول صلى الله عليه وسلم- صفية بنت حيي تقول: كنت أحب ولد أبي إليه، وإلى عمي أبي ياسر، لم ألقهما قط مع ولد لهما إلا أخذاني دونه.
قالت: فلما قدم النبي صلى الله عليه الصلاة والسلام المدينة ونزل قباء في بني عمرو بن عوف، غدا عليه أبي حيي بن أخطب وعمي أبو ياسر بن أخطب مغلسين، حتى يعلما علم هذا الرجل، فلم يرجعا حتى كان غروب الشمس، قالت: فأتيا كالِّين، كسلانين ساقطين، يمشيان الهوينا، قالت: فهششت إليهما كما كنت أصنع، فوالله ما التفت إلي واحد منهما قالت: وسمعت عمي أبا ياسر وهو يقول لأبي حيي بن أخطب: أهو هو؟ يقصد الرسول الله صلى الله عليه وسلم.
يقول: أهو هو أي: الذي نعلمه في التوراة، مكتوب أنه سوف يرسل.
قال: أهو هو؟ قال: نعم والله! قال: أتعرفه وتثبته؟ قال: نعم.
قال: فما في نفسك منه؟ قال: عداوته والله ما بقيت.
انظر الآن هو يعترف تماماً أن هذا هو الرسول صلى الله عليه وسلم الذي صفته مكتوبة في التوراة، أهو هو؟ قال: نعم.
لكن النتيجة: عدواته والله ما بقيت.
كانوا يريدون ويتوقعون أن يظهر النبي منهم، فإذا هو من أناس آخرين، فحسداً بعض الناس يرفض الحق؛ لأنه أتى من فلان الفلاني الذي بينه وبينه عداوة شخصية، فهم لا يقبلون منه ما يقول حتى لو كان حقاً، ولو قال به آخر لقبلوا.
وفلان هذا بيننا وبينه مشاكل، واختلافات شخصية وصراعات، فلا نقبل ما يقول، وهذه بلية كبيرة، معناها أن القضية ليست اتباع الحق، فقد صارت القضية اتباع من يقول بالقول، لو قال به فلان الذي نرتاح له، ونحبه أخذنا بكلامه، لو قال به فلان الذي نخالفه ونكرهه فلن نأخذه.
يا أخي! الرسول صلى الله عليه وسلم قبل الحق من الشيطان، لما جاء منه، والدليل على ذلك الحديث الذي في الصحيحين عن أبي هريرة، في الشيطان الذي كان يأتي بصورة آدمي ويسرق من الحب، وأبو هريرة حارس، فأمسكه أبو هريرة في اليوم الأول والثاني وهو يعتذر إليه فيطلقه، وفي الثالث قبض عليه وهدده بأن يذهب به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فعلمه آية الكرسي، ثم في الرواية يقول: فقلت: يا رسول الله! زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها، فخليت سبيله، قال: ما هي؟ قال: قال لي: إذا أويت إلى فراشك، فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) وقال لي: لا يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك الشيطان حتى تصبح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أما إنه قد صدقك وهو كذوب، أتعلم من تخاطب يا أبا هريرة منذ ثلاث ليال؟ قلت: لا، قال: ذاك شيطان) فهل قال الرسول صلى الله عليه وسلم: آية الكرسي لا تنفع قبل النوم لأن الشيطان هو الذي قالها؟ وهو كذوب فأقره عليه السلام مع أنه أتى من الشيطان.
والآن أشياء كثيرة من الحق تأتي من أناس ليسوا بشياطين، ولكنها ترفض لعداوة شخصية، واختلافات مذهبية، واختلاف في الرأي، أو يرفض الكلام لأنه أتى من فلان.