للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المسارعة إلى الأعمال الصالحة]

وكذلك أيها الإخوة! بالإضافة إلى ما سبق المسارعة إلى الأعمال الصالحة والمسابقة إليها، يقول الله عز وجل: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران:١٣٣] {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ} [الحديد:٢١] ويقول عليه الصلاة والسلام: (التؤدة في كل شيء خيرٌ إلا في عمل الآخرة) أي: كل شيء التأني فيه طيب، أن تتريث فيه وتدرسه وتفكر قبل عمله ألف مرة، إلا في شيء واحد وهو عمل الآخرة ليس فيه تأنٍ، أي: سارع مباشرةً، وسابق إلى هذا العمل، يقول عليه الصلاة السلام: (ما رأيت مثل النار نام هاربها، ولا مثل الجنة نام طالبها) المفروض أن الناس يهربون منها، لكنهم نائمون عن الهروب، والجنة المفروض أنهم يطلبونها، لكنهم نائمون عن الطلب.

فقضية الأعمال الصالحة: استدراك ما فات من الطاعات.

أيها الإخوة! مظاهر ضعف الإيمان: عدم التحسر على فوات مواسم الطاعة، أي: هذا من مظاهر ضعف الإيمان، فعندما تمر الطاعة وموسم الطاعة ينقضي، ولا يشعر بالتأسف، ولا بالتحسر، ولا بالندم، فالشيء المقابل هنا هو استدراك ما فات من الطاعات.

مثال: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من نام عن حزبه من الليل، أو عن شيء منه، فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كُتب له كأنما قرأه من الليل).

وعن عائشة رضي الله عنها وأرضاها قالت: [كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فاتته الصلاة من الليل من وجع، أو غيره صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة] حديثان صحيحان.

ولذلك لو فاتت صلاة الوتر أحد الناس، وكان عادة يوتر مثلاً بثلاث ركعات، إذا استيقظ يصلي بعد ارتفاع الشمس، يصليها شفعاً، فيزيد عليها واحدة فتصبح أربعاً، وإذا كان يصلي إحدى عشرة ركعة في الليل عادة، أو كان ينوي أن يصلي في تلك الليلة إحدى عشرة ركعة، ثم نام وما استيقظ إلا الفجر، فإنه يصلي بعد ارتفاع الشمس اثنتي عشرة ركعة.

وبعد كل هذه الطاعات احتقار النفس أمام الواجب في حق الله من هذه الطاعات.

بعد أن تفعل هذا كله تحتقر نفسك، وتحتقر هذه الطاعة، يقول ابن القيم رحمه الله ناقداً بعضهم: وكل ما شهدت حقيقة الربويية وحقيقة العبودية وعرفت الله وعرفت النفس، ويتبين لك أن ما معك من البضاعة لا يصلح للملك الحق، ولو جئت بعمل الثقلين خشيت عاقبته، وإنما يقبله سبحانه وتعالى بكرمه وجوده وتفضله، ويثيبك عليه بكرمه وجوده وتفضله، ولو جئت بعمل الثقلين، ما وفيت نعمة واحدة من نعم الله، فكيف والأعمال قليلة وشحيحة؟!