ومن الأمور التي تجدد الإيمان أيها الإخوة! استشعار لذة المناجاة والانكسار بين يدي الله عز وجل، فلماذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:(أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد)؟ لأن حال السجود فيه ذلة ليست في بقية الأحوال، وفيه انكسار وخضوع ليست في بقية الأحوال، ولذلك أقرب ما يكون من ربه وهو ساجد، لما ألصق جبهته بالأرض، وهي أعلى شيء فيه لمن وضعها؟ لله، صار أقرب شيء لله.
يقول ابن القيم رحمه الله في كلام جميل عن لسان حال هذا الذليل والمنكسر التائب بين يدي الله:" فلله ما أحلى قول القائل في هذه الحال: أسألك بعزك وذلي إلا رحمتني، أسألك بقوتك وضعفي، وبغناك عني وفقري إليك، هذه ناصيتي الكاذبة الخاطئة بين يديك، عبيدك سواي كثير، وليس لي سيدٌ سواك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، أسألك مسألة المسكين، وأبتهل إليك ابتهال الخاضع الذليل، وأدعوك دعاء الخائف الضريع، سؤال من خضعت لك رقبته، ورغم لك أنفه، وفاضت لك عيناه، وذل لك قلبه ".
فعندما يعبر العبد بهذه الألفاظ وهو يناجي الله وهو منكسر بين يدي الله، فإن الإيمان يتضاعف في قلبه أضعافاً مضاعفة، وكل هذا التجديد يحدث في لحظات.
ويقول رحمه الله:"قد يكون للعبد حاجة يُباح له سؤاله إياها، فيلح على ربه في طلبها حتى يفتح له من لذيذ مناجاته وسؤاله والذل بين يديه، وتملقه والتوسل إليه بأسمائه وصفاته وتوحيده وتفريغ القلب له، وعدم تعلقه في حاجته بغيره ما لم يحصل له بدون إلحاح".
أحياناً يمرض الولد مرضاً خطيراً، فيقوم الأب يناجي الله عز وجل ويتضرع إليه ويلح في الدعاء، ويحس في لحظة الشدة والضائقة، ولحظات الحرج بأنه قريبٌ من الله جداً، ويشعر بحلاوة في المناجاة، فيفتح الله عليه من ألفاظ الخضوع والانكسار والذلة بين يدي الله أموراً عظيمة.
ولذلك قد يتخيل الشخص أن هذا شر، لكنه في الحقيقة خير:{وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}[البقرة:٢١٦].
فأحياناً تنزل بالإنسان مصيبة وضائقة شديدة جداً، تُقفل من جميع الجوانب، لا يجد من يساعده في الأمر، تُقفل في وجهه الأبواب، فإلى من يلتجئ؟ فيتصحح توكله على الله والإنابة إلى الله، واللجوء إلى الله وسؤال الله، كان سابقاً يسأل المخلوقين، ثم ما وجد من ورائهم رجاء، ولا من سعى منهم له بمساعدة في تلك اللحظات الصعبة، وهذا شيء أحياناً يكرهه الإنسان لكنه في الحقيقة أدى إلى اللجوء والقرب من الله عز وجل، فيتجدد الإيمان في النفس.
وكذلك الخوف من عقاب الله في الدنيا والآخرة: هناك عقاب لله في الدنيا، وقد يكون العقاب في الدنيا حسياً، وقد يكون معنوياً، قد يكون حسياً كما قال الله عز وجل:{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ}[الأنعام:٤٦] عذاب حسي، وقد يكون العذاب معنوياً:{سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}[الأعراف:١٤٦] صرف الإنسان عن آيات الله عذاب معنوي، وعقوبة معنوية كبيرة جداً أن يُحرم من تدبر آيات الله.