كانت معركة حطين تمهيداً لدخول صلاح الدين رحمه الله إلى بيت المقدس، لأن هذه الهزيمة المنكرة مهدت الطريق، ولكن صلاح الدين بحنكته لم يدخل بيت المقدس مباشرة، إنما ذهب لإكمال فتح البلدان الساحلية حتى يمنع أي قادم عبر البحر لتعزيز الصليبيين من النصارى، ويقطع الطريق حتى تحاصر بيت المقدس تماماً، ثم اتجه بعد ذلك إلى بيت المقدس وقد اجتمع في بيت المقدس من النصارى خلق عظيم من الذين هربوا من معركة حطين ومن غيرها؛ وفيهم النساء والأطفال والجنود والأسلحة واستغل النصارى الفرصة، فعززوا الأسوار والحمايات، وحاصرها صلاح الدين رحمه الله حصاراً عظيماً حتى خرب السور وهمَّ الجنود المسلمون بالدخول، فخرج قائد النصارى يلتمس الصلح من صلاح الدين؛ وصلاح الدين، يقول: لا أصالحكم حتى أفعل بكم مثلما فعلتم بالمسلمين عندما دخلتموها، حتى أن ملك النصارى جاء إلى صلاح الدين مرةً أخرى ليقول له: أيها السلطان! اعلم أننا في هذه المدينة خلق كثير؛ وهم يكرهون الموت ويرغبون في الحياة، فإذا رأينا أنه لا بد منه؛ فوالله لنقتلن أبناءنا ونساءنا ولنحرقن أموالنا وأمتعتنا ولا نترككم تغنمون منها شيئاً، ولنخرب الصخرة والمسجد الأقصى، ثم نقتل من عندنا من أسارى المسلمين في مدينة القدس، فاستشار صلاح الدين أصحابه، فأشاروا عليه بالصلح الذي يكون من نتيجته تسليم المدينة، وأن تكون شروط الصلح هي نفسها شروط فتح المدن عنوةً؛ لأن صلاح الدين كان قد أقسم أن يفتح هذه المدينة عنوةً، وعند ذلك صالحهم صلاح الدين مقابل فداء يدفعونه، فجعل على الرجل عشرة دنانير يستوي فيها الغني والفقير، وعلى المرأة خمسة دنانير، وقيل: إنه جعل للطفل ديناراً واحداً، وأخليت المدينة لـ صلاح الدين رحمه الله تعالى فدخلها، وخرج النصارى بالفدية منها وسلموها لـ صلاح الدين رحمه الله.