إن الإخبار بالابتلاء سيحدث الخوف عند الغلام فيؤدي إلى أن يخاف وقد يترك، لكن الابتلاء حقيقة لا بد من الإخبار به، فماذا قال له الراهب بعد ذلك؟ قال له:(فإن ابتليت، فلا تدل علي) فيقول ابن علان رحمه الله في شرح الحديث: لماذا الراهب في البداية أخبره بشكل قاطع أنه سيبتلى، ثم في العبارة التي بعدها قال:(فإن) وإن: تدل على التشكيك، لماذا؟ لكي يخفف من الخوف الذي قد ينبعث في نفسه، وحتى لا يقع الكرب في نفس الغلام قبل حلول البلاء الحقيقي، فقال:(فإن ابتليت، فلا تدل علي) هذه كلمة" فإن ابتليت فلا تدل علي" طلب الراهب من الغلام أن يتكتم على الأمر، قال: إن ابتليت وإن عذبت وضربت لا تخبر عني، لأنك لو أخبرت عني، فأنا عدو ولا بد أني أُقتل وأهلك، فحفاظاً على نفسي ولمصلحة الدين بقاء الراهب لا شك، فهنا هذا الكتمان الذي طلبه الراهب من الغلام هل هو هدف وغاية أم وسيلة؟ إنما هو وسيلة، فإذاً الكتمان في طريق السير إلى الله ليس غاية وهدفاً، أن يكون الإنسان متكتماً في الدين، لا، فالدين يحتاج إلى وضوح، لكن في هذه الحالة التي صار فيها مصلحة الإسلام أن هذا الراهب لا يُفشى أمره، فصار التكتم هنا وسيلة لجأ إليه الراهب لجوءاً واضطراراً، وإلا فبروز الشخصيات وكونها قدوات في المجتمع هو الأساس، ولذلك كان الرسل واضحين في الناس، خرجوا أمام الناس، ما قعد الرسول يدعو من طرفٍ خفي ولا أحد يعلم من هو الرسول، كان الرسول يظهر أمام الناس ويعلم الناس.