بعض الناس عندما يتكلمون عن ظاهرة التساقط فإنهم يتكلمون من منظار أو من زاوية التساقط الحزبي، ونحن أيها الإخوة سوف نركز في كلامنا في قضية التساقط والنكوص عن الانحراف عن الجادة الصحيحة التي توقع الإنسان في الفسق أو الفجور أو ترك الواجبات، هذا هو التعريف الذي سنتخذه في أثناء كلامنا ونسير عليه.
إذاً المقصود من الانتكاس هو: الخروج عن طريق الهداية الربانية وهذه هي الخسارة الحقيقية، بعض الناس يظن أنه إذا تركه شخص كان يسير معه فذهب إلى غيره -مثلاً- أن هذه خسارة، والحقيقة -أيها الإخوة- أنها ليست كذلك، الخسارة أن يكون إنساناً ملتزماً بشرع الله، مستقيماً على طريق الله، ثم ينتكس ويترك الاستقامة، هذه هي الخسارة.
ويجب أن نعلم أن النكوص الذي نتحدث عنه هو عن شخص كان مستقيماً في أموره ثم انحرف، وليس لشخصٍ كان أصلاً غير مستقيم في بعض الجوانب ثم انحرف في كل الجوانب، كشخص كان لا يحافظ على صلاة الفجر ويشاهد الأفلام المحرمة، ثم أطلق لحيته مثلاً والتزم ببعض الأشياء، ثم انتكس بالكلية، ليس هذا هو الشخص الذي نتحدث عنه، وهذا الرجل لا يسمى ناكصاً؛ لأنه كان أصلاً منتكساً من قبل، وهو الآن اتسعت رقعة انتكاسته، هذا الذي حدث.
ومن الملاحظ أن كثيراً من الناكصين لم يلجوا حياض التربية الإسلامية، ولم ينهلوا منها، فأنى لهم الثبات؟! وقد يوجد في الوسط الإسلامي رجل فيه انحراف لكن لا يتبين أمره من البداية، ومع مرور الزمن وتوالي الأحداث تنكشف الأمور، وهذا مثال من السيرة النبوية: روى الإمام مسلم في صحيحه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:(خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر ففتح الله علينا، فلم نغنم ذهباً ولا ورقاً، غنمنا المتاع والطعام والثياب والغنائم ما حكمها؟ تجمع كلها، ولا يأخذ أحد منها شيئاً، ثم توزع بالطريقة الشرعية في توزيع الغنائم- ثم انطلقنا إلى الوادي ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد له وهبه له رجل من جذام يدعى رفاعة بن زيد من بني الضبيب، فلما نزلنا إلى الوادي قام عبد رسول الله صلى الله عليه وسلم يحل رحله، فرمي بسهمٍ، فكان فيه حتفه، فقلنا: هنيئاً له الشهادة يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلا والذي نفس محمد بيده! إن الشملة لتلتهب عليه ناراً، أخذها من الغنائم يوم خيبر لم تصبها المقاسم فهي تلتهب عليه ناراً، قال: ففزع الناس -أي: فزعوا- فجاء رجل بشراك أو بشراكين، فقال: يا رسول الله، أصبت يوم خيبر، فقال رسول صلى الله عليه وسلم: شراك من نار أو شراكان من نار).
إذاً: قد يوجد في الوسط المسلم رجل فيه انحراف لكنه في الظاهر ملتزم مستقيم، لكنه يتبين مع الزمن ولو مات؛ فالله أعلم بنيته.