الزبير رضي الله عنه وقف في موقعة اليرموك، قال له أصحابه:[ألا تشد فنشد معك؟ قال: إني إن شددت كذبتم، فقالوا: لا نفعل.
فحمل على الروم حتى شق صفوفهم فجاوزهم] واحد فقط يشق صفوف الروم في معركة اليرموك حتى ينفذ إلى الجانب الآخر، وما معه أحد، ثم رجع مقبلاً مرة ثانية، فضربوه ضربتين على عاتقه رضي الله تعالى عنه، بينهما ضربة ضربها يوم بدر، قال عروة بن الزبير: كنت أدخل أصابعي في تلك الضربات ألعب بهن وأنا صغير.
وهذا عروة، أخوه عبد الله شجاع كأبيه، عبد الله بن الزبير ابن عشر سنين، أو اثنتي عشرة سنة حمله أبوه على فرس ووكل به رجلاً -والحديث في الصحيح- حتى لا يتجرأ الصغير هذا ويدخل في صفوف المشركين، ولكن مع ذلك ماذا كان يفعل؟ وكان عبد الله بن الزبير وهو صغير يجهز على جرحى المشركين، فبعد المعركة ينظر من بقي فيه رمق من الكفار فينحره ويكمل عليه، فهذا عمره اثنتا عشرة سنة، والآن من عمره اثنتا عشرة سنة لو جاء صرصور صاح من الخوف، يقول خالد بن الوليد:[لقد انقطعت في يدي في مؤتة تسعة أسياف، فما بقي في يدي إلا صفيحة يمانية] صبرت في يدي صفيحة يمانية.
رواه البخاري.
وجليبيب رضي الله عنه الفقير المسكين وجدوه بعد المعركة، سأل عنه النبي صلى الله عليه وسلم وجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم، ثم قتلوه، يعني: قتل من كثرة ما طعن.
وإذا كان أنس بن النضر به بضعة وثمانون ضربة ورمية في جسده، فكم قاتل حتى مات، ولفظ أنفاسه الأخيرة؟ ليس من أول طعنة، ولا من ثاني طعنة، ولا من عاشر طعنة، ولا من عشرين، بقي يقاتل حتى لفظ أنفاسه الأخيرة، وحُمل جليبيب حمله النبي صلى الله عليه وسلم وعندما وقف عليه، قال:(قتل سبعةً، ثم قتلوه، هذا مني وأنا منه، هذا مني وأنا منه فوضعه على ساعديه ليس له سرير إلا ساعدي النبي صلى الله عليه وسلم، فحفر له ووضع في قبره) رواه مسلم.