رجل العقيدة يُوازن في تلقيه وتربيته بين نواحي التربية المختلفة، فتربيته ليست علمية فقط، فإنها قد تقسي القلب، وليست إيمانية فقط فإنها قد تقود إلى جهل يُورد المهالك، وليست دعوية فقط، فكيف يدعو الناس ويهديهم من علمه وإيمانه ضعيف؟! إن جوانب تربيته لنفسه كاملة، وإنه يعلم أن التربية الإيمانية في غاية الأهمية، وأنه مهما بلغ من الشأن والعلو فإنه لا بد أن يهتم بقلبه، وهذا خلاف ما يعتقده بعض المتكبرين الذين يرون أن التربية الإيمانية مهمة للناشئة فقط، مع أنها مهمة للمتقدمين والمتأخرين، وأنه مهما قطع الإنسان مشواراً طويلاً في التربية، فإنه لا يزال يحتاج إلى تقوية قلبه.
ورجل العقيدة يُركز على بناء الأوساط الإيمانية التي من خلالها يتربى الناس، وعلى تنشئة القدوات التي من خلالها يتأثر الناس، وقته مملوء بطاعة الله عزوجل (من أصبح منكم اليوم صائماً؟ قال أبو بكر: أنا.
من عاد منكم اليوم مريضاً؟ قال أبو بكر: أنا.
من تبع منكم جنازة؟ قال أبو بكر: أنا).
من ذا الذي يستطيع أن يجمع عيادة مريض وشهود جنازةٍ وصيام يومٍ في يوم واحد؟! أليس يدل ذلك على أن رجال العقيدة في ذلك الوقت كان يومهم مليئاً بأصنافٍ من الطاعات؟! لو قيل لـ حماد بن سلمة: إنك تموت غداً؟ ما قدر أن يزيد في العمل شيئاً؛ لأنه مُشَبّع بالأعمال الصالحة، لا يستطيع أن يزيد؛ لأنه عد نفسه أنه سيموت غداً.