[وقفة مع شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة]
الشفاعة في الإخراج من النار متى تكون؟ تكون بعد التحول عن الموقف والمرور على الصراط وسقوط من يسقط في النار، ثم تأتي هذه الشفاعة، فالآن هناك شفاعة في انفضاض الموقف للحساب، وشفاعة للنبي عليه الصلاة والسلام لإخراج من دخل النار من أمته، هذه الشفاعة الثانية تكون بعد الأولى، فالثانية تكون بعد الصراط، الناس يتجهون إلى الصراط يسلكون عليه وينطلقون عليه ويسقط من يسقط، أناس دخلوا النار وهم من الموحدين تحصل هذه الشفاعة، وترسل الأمانة والرحم لعظمهما، الأمانة والرحم، على جنبتي الصراط يميناً وشمالاً (فيمر أولكم كالبرق) إلى آخره.
فإذاً عندنا شفاعتان: شفاعة الإراحة من الموقف وينصرف الناس للحساب، ثم يمرون على الصراط ثم يسقط ويهوي من يهوي في النار، ثم يكمل من يكمل إلى الجنة، فتأتي بعد ذلك الشفاعة الثانية: وهي شفاعة الإخراج، وقد جاء في رواية:(ثم أمتدحه بمدحة يرضى بها عني ثم يؤذن لي بالكلام، ثم تمر أمتي على الصراط وهو منصوب بين ظهراني جهنم) وفي رواية: (يقول ربي عز جل: يا محمد! ما تريد أن أصنع في أمتك، فأقول: يا ربي عجل حسابهم) وفي رواية: (فأقول: أنا لها حتى يأذن الله لمن يشاء ويرضى، فإذا أراد الله أن يفرغ من خلقه، نادى مناد أين محمد وأمته فيتبعوه) وفي رواية: أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما يقول: (يا رب! أمتي أمتي، يقال: أدخل من أمتك من الباب الأيمن من أبواب الجنة من لا حساب عليه ولا عذاب وهم شركاء في بقية الأبواب).
يا رب! وعدتني الشفاعة فشفعني في أهل الجنة يدخلون الجنة، فهذه شفاعة ثالثة، وعدتني الشفاعة فشفعني في أهل الجنة لكي يدخلون الجنة فيقول الله:(فقد شفعتك فيهم وأذنت لهم في دخول الجنة).
فإذاً لا ينصرف الناس من الموقف للحساب إلا بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يدخل أحد الجنة إلا بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يخرج أحد من الموحدين من النار من أمة محمد عليه الصلاة والسلام إلا بشفاعته عليه الصلاة والسلام، فيما سبق إشعار بأن العرض والميزان وتطاير الصحف يقع في هذا الموطن.
ينادي المنادي لتتبع كل أمة من كانت تعبد، فيسقط الكفار في النار، ثم يميز بين المؤمنين والمنافقين بالامتحان بالسجود عند كشف الساق، ثم يؤذن في نصب الصراط والمرور عليه فيطفأ نور المنافقين فيسقطون في النار أيضا، ً ويمر المؤمنون عليه إلى الجنة فمن العصاة من يسقط ويوقف بعض من نجي عند القنطرة للمقاصصة بينهم ثم يدخلون الجنة.
فهذا الترتيب ذكره ابن حجر رحمه الله استخلاصاً من الأحاديث وهو ترتيب مهم، هذا الترتيب يفهم كيف ستكون الأمور يوم القيامة، فنعيده: يقول بعد الرواية الأخيرة: وفيه إشعار بأن العرض يعني: يعرضون على الله: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ}[الحاقة:١٨] هناك عرض على الله تعرض فيه البشرية كلها، كل واحد هو وذنوبه وأعماله وكل شيء مكشوف، على صفحة مفتوحة {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ}[الحاقة:١٨]، هذا العرض على الله، ثم يؤتى بالميزان وينصب وتوزن أعمال العباد:{مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ}[لقمان:٢٨] ولا حسابكم أيضاً، في نفس الوقت يعني الله لا يعجزه شيء يحاسب الخلق كلهم كأنه يحاسب واحداً، ويقضي بينهم كلهم كأنه يقضي بين شخص وشخص، والميزان والوزن كل شيء يوضع.