للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[علاقة زلزال الدنيا بزلزال الآخرة]

عباد الله! إن من أكبر العظات في الزلازل التذكير باليوم الآخر، روى الترمذي رحمه الله عن عمران بن حصين: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في بعض أسفاره، وقد تفاوت بين أصحابه السير، رفع بهاتين الآيتين صوته: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:١ - ٢] فلما سمع أصحابه بذلك حثوا المطي وعرفوا أنه عند قولٍ يقوله، فلما تأشهوا حوله -أي التفوا- قال: أتدرون أي يومٍ ذلك؟ قال: ذاك يوم ينادى آدم عليه السلام فيناديه ربه عز وجل، فيقول: يا آدم! ابعث بعثك إلى النار، فيقول: يا رب! وما بعث النار؟ فيقول: من كل ألفٍ تسعمائة وتسعة وتسعون) فعند ذلك تشيب الولدان، وعند ذلك تضع كل ذات حملٍ حملها، وعند ذلك ينزل بالناس الكرب العظيم.

وقال عز وجل مذكراً بذلك اليوم: {إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجّاً * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً} [الواقعة:٤ - ٥] ورج الأرض: زلزلتها، وقال تعالى مذكراً بيوم الدين في سورةٍ عظيمة من السور: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا} [الزلزلة:١ - ٣] (إذا زلزلت الأرض زلزالها) أي: تحركت من أسفلها، (وأخرجت الأرض أثقالها) أي: ألقت ما فيها من الموتى، كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [الحج:١] وكقوله: {وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ} [الانشقاق:٣ - ٤].

روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تقيئ الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان من الذهب والفضة) تتقيأ تقيئاً وتخرج ما في بطنها (تقيئ الأرض أفلاذ كبدها أمثال الاسطوان) جمع اسطوانة، عبر عن ذلك لكثرة الشيء الذي يخرج من الذهب والفضة، مثل الاسطوان تلقيه الأرض على ظهرها، من الذهب والفضة، مما فيها: {وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا} [الزلزلة:٣] استنكر أمرها بعد أن كانت قارةً ساكنةً ثابتة، وهو مستقرٌ على ظهرها، فتقلبت الحال، فصارت متحركةً مضطربة، قد جاءها من أمر الله ما قد أُعد لها من الزلزال الذي لا محيد لها عنه.

ثبات الأرض نعمة من الله.

يا أيها الناس! الذين تمشون عليها ساكنين آمنين مطمئنين، اذكروا أن ثبات الأرض واستقرارها نعمة من الله، فهو الذي أرساها، وهو الذي ثبتها، فيذكر عباده ببعض الزلازل بهذه النعمة، ولذلك يستغرب الإنسان يوم القيامة، ما يحدث للأرض بعد أن كانت ثابتةً قارةً ساكنة؟!

الجواب

=٦٠٠٦١٤١> يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [الزلزلة:٤] عن أبي هريرة قال: (قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية قال: أتدرون ما أخبارها؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: فإن أخبارها أن تشهد على كل عبدٍ أو أَمَّة بما عمل على ظهرها، أن تقول: عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا، فهذه أخبارها) إذاً: الأرض ستخبر بما عملنا عليها، وذلك بما أوحى الله إليها وأمرها، ويقول لها: قولي فتقول.

: {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} [الزلزلة:٥] فتخرج ما في بطنها وتحدِّث بما أمرها الله به، عندما يقول لها: قولي فتقول.

فإذاً تأمل يا عبد الله! وتفكر في هذه القضية، وهي أن الأرض ستخبر بما عملت عليها في جميع الأماكن علت أو نزلت، ستخبر الأرض بما عملت عليها {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً} [الزلزلة:٦] أي: فرقاً {لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ} [الزلزلة:٦]، فيجازون عليها من خيرٍ أو شر: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * مَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:٧ - ٨] عن سعيد بن جبير في قوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * مَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:٧ - ٨] قال: [ذلك لما نزلت هذه الآية: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً} [الإنسان:٨] كان المسلمون يرون أنهم لا يؤجرون على الشيء القليل إذا أعطوه، فيجيء المسكين إلى أبوابهم، فيستقلون أن يعطوه التمرة والكسرة والجوزة، ونحو ذلك، فيردونه ويقولون: ما هذا بشيء، إنما نؤجر على ما نعطي ونحن نحبه، أي: نؤجر على الكثير، وكان آخرون يرون أنهم لا يلامون على الذنب اليسير، الكذبة والنظرة والغيبة وأشباه ذلك، يقولون: إنما وعد الله النار أهل الكبائر، فرغبهم في القليل من الخير أن يعملوه، فإنه يوشك أن يكثر، وحذرهم اليسير من الشر فإن يوشك أن يكثر، فنزلت: ((فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ)) [الزلزلة:٧]].

ذرة: أي: وزن أصغر النمل، فمن يعمل مثقال ذرة من خيرٍ فإنه يراه حاضراً يوم القيامة، ومن يعمل مثقال ذرةٍ من الشر يجده حاضراً أمامه يوم القيامة، {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً} [آل عمران:٣٠].