للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الرجوع إلى أهل العلم في مسائل الشرع]

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

كان من الفوائد غير ما تقدم في هذا الحديث العظيم الذي رواه الإمام البخاري رحمه الله تعالى فائدة عظيمة جليلة، وهي: الرجوع إلى أهل العلم العالمين بالكتاب والسنة، فإن هذا الرجل سأل بادئ ذي بدء أناساً غير عالمين بكتاب الله، فقالوا له: إن على ابنك الرجم، وليس على الولد الرجم؛ لأنه أعزب غير متزوج وزنا، ففي هذه الحالة ليس عليه الرجم، فأخبروه بهذا الحكم المخالف لحكم الله تعالى مما جعله يفتدي ولده من هذا الرجل بتلك الأموال العظيمة التي دفعها إليه، فلما سأل أهل العلم أخبروه.

قال في الحديث: (ثم إني سألت أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم) ثم إني سألت أهل العلم، قال الله تعالى: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:٤٣] وهذه من المصائب التي وقع فيها الناس اليوم، فإذا أرادوا أن يسألوا عن حكم من الأحكام، فإنهم لا يسألون المحققين من العلماء، ولا يسألون من عرف بالعلم والتقوى من العلماء، وإنما تجد أحدهم يسأل جاهلاً مثله أو أقل منه، وتجد أحدهم يسأل كبيراً في بيته، أو في عشيرته، ثم يحتكم إلى قوله، وتجد أحدهم يسأل قاصاً من القصاصين، أو أديباً من الأدباء، أو مؤرخاً من المؤرخين ممن لا علاقة له بفقه الكتاب والسنة مطلقاً، فترى الناس لا يميزون اليوم بين أهل العلم وغيرهم، فيسألون من شاءوا ممن واجهوا وممن سمعوا عنهم وحتى ولو كانوا ليسوا من أهل العلم.

لابد أن نتحرى من هم العلماء الصالحون، ولابد من السؤال عنهم ثم سؤالهم، قال الله تعالى: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً} [الفرقان:٥٩] لابد من الرجوع إلى الخبراء بالكتاب والسنة.

الناس اليوم إذا مرضوا اختاروا أحسن الأطباء والمتخصصين في هذا المرض، فإذا وقعوا في مرض من الدين لم يرجعوا إلى المختص بهذا المرض، وإنما سألوا أي واحد من الناس.

أنتم ونحن مسئولون جميعاً عمن نسأل في ديننا، ستسأل أمام الله تعالى هذه المسألة التي وقعت لك من سألت فيها؟ لماذا سألت فلاناً من الناس فيها؟ ستسأل يوم القيامة لماذا انتخبت فلاناً من الناس وسألته؟ هل لأنك تعرف بأنه يصدر الفتاوى السهلة التي ما أنزل الله بها من سلطان؟ هل لأنه يقول ويحكم بالأسهل -بغض النظر عن كونه حقاً أو غير حق- فأنت تسأله لمجرد أنه يفتيك بالأسهل؟ أم لمجرد أنك توهمت أن عنده شيئاً وليس عنده شيء، أو لمجرد أنه قد نفخ نفسه أمام الناس بالعلم، وادعى به ثم أنت تسأله؟ لابد أن تتحرى -يا أخي المسلم- من تسأل، لا تسأل أي أحد، ارجع إلى العلماء الأجلاء، ونحن والحمد لله -أيها الإخوة- في مجتمعنا هذا يوجد عندنا علماء أجلاء من كبار العلماء في العالم، لكن للأسف معطلين لا يرجع إليهم الناس ولا يسألونهم ولا يتصلون عليهم هاتفياً أو يكاتبونهم أو يسافرون إليهم.

الواحد إذا أراد أن يستورد بضاعةً أو يجلب عاملاً أو سائقاً سافر من أجله آلاف الأميال، أما إذا وقع له شيء في الدين فإنه لا يكلف نفسه السفر ولو لبضع مئات من الأميال، مع أن هذا دين وليس تجارة ليس مالاً ليس عرضاً دنيوياً.

الناس يسافرون إلى أعراض دنيوية المسافات الشاسعة، ثم لا يكلف نفسه مطلقاً لا بالاتصال ولا بالكتابة ولا بالسفر إلى العلماء الأجلاء وهم موجودون في بلده ليسوا ببعيدين عنه، لا يكلف نفسه الاتصال بهم وسؤالهم، ويسأل أي واحد من الناس أو يحكم هواه هو، فيقول: لعل هذه المسألة ما فيها شيء، لعل هذه القضية حلال إن الله غفور رحيم هذه فاتت وماتت، وهي لم تمت بل هي مسطرة عند الله تعالى.

فلابد من الرجوع إلى العلماء لا أدعياء العلم ولا الجهلة، ولا تسأل قاصاً أو مؤرخاً أو أديباً عن مسألة شرعية تتعلق بالكتاب والسنة، أو تسأل واعظاً.

هناك فرق بين الواعظ والعالم الواعظ قد يذكرك بالله والجنة والنار، لكن قد لا يستطيع أن يحكم، أو يفتيك في مسألة تتعلق في الفقه أو تتعلق بالحلال أو الحرام، يجب أن تفرق بين الواعظ الذي يبكيك وتشعر بأن كلامه يطري القلب فقط، وبين العالم الذي تعلَّم العلم وأفنى فيه عمره وطبقه وخشع لله من أجل هذا العلم: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:٢٨] العلماء الحقيقيون هم الذين يخشون الله، لابد من الرجوع إليهم وسؤالهم، والتحري عنهم والتثبت، تسأل من؟ وما هو دليله على كلامه الذي يقوله لك؟ عند ذلك تكون على صراط مستقيم.

اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله الواحد الأحد الفرد الصمد الديان، أن ترينا الحق حقاً وترزقنا اتباعه، وأن ترينا الباطل باطلاً وترزقنا اجتنابه.

اللهم إنا نسألك التحاكم إلى القرآن والسنة، اللهم وفقنا العودة للقرآن والسنة والتحاكم إليهما ونبذ الشرائع الضالة التي اخترعها البشر.

اللهم إنا نسألك أن تحمي بلدك هذا وبلاد المسلمين من شر كل ملحد وطاغوت.

اللهم من أراد ببلدنا هذا أو بلاد المسلمين سوءاً فاردد كيده في نحره، واجعله عبرةً لمن يعتبر.

اللهم من أراد دينك بسوءٍ فاقطع يده وشتت شمله، ودمره تدميراً، وانصر دينك وكتابك ورسولك على سائر الأديان والملل.

اللهم واجعل دينك عاماً منتصراً على سائر الأديان، واجعل عقيدة التوحيد مهيمنة على سائر العقائد والبدع.

اللهم واجعلنا من أهل السنة والجماعة الذين اتبعوا نبيك صلى الله عليه وسلم وما حرفوا دينك وما بدلوه تبديلاً.

اللهم واجعلنا من المتمسكين بسنة نبيك صلى الله عليه وسلم العاضين عليها بالنواجذ، وجنبنا الإحداث والبدع.

اللهم واجعلنا من المتمسكين بشرعك الحافظين لحدودك.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر اليهود والكفرة والملحدين وسائر أعداء الدين.

اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلا نوراً من الإيمان تقذفه في قلوبنا نرى به طريق الحق.

اللهم وارزقنا الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، وأعذنا من النار وما قرب إليها من قول وعمل، اللهم وأظللنا بظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك.

اللهم واجعلنا ممن سلمتهم على الصراط يوم الفزع الأكبر، اللهم سلمنا على الصراط، اللهم سلمنا على الصراط واجعلنا ممن يجوز عليه إلى جنة عرضها السماوات والأرض.

وصلوا على نبيكم الرحمة المهداة، سيد الأولين والآخرين محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.