أما عن مدة مكوث المسيح الدجال فإنها أربعين يوماً، قال الرسول صلى الله عليه وسلم، لما سئل: ما لبثه في الأرض؟ قال:(أربعون يوماً، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم).
فإذاً عندنا أول يوم يمر كالسنة، وثاني يوم يمر كالشهر، وثالث يوم يمر كالأسبوع، والأيام الباقية وهي سبعة وثلاثين يوماً مثل أيامنا هذه أربع وعشرين ساعة، كما نحس بها.
أما معنى اليوم كالسنة: أي نحن نمكث في السنة ثلاثمائة وخمسة وستين يوماً، نمكث فترة معينة نحس بها، فذلك اليوم الأول من الأربعين من طلوع الشمس إلى غروبها أو انقضاء اليوم كله يمر مثل السنة في الطول، يعني: يمر بطيء جداً، كمرور السنة.
وهنا انتبه الصحابة إلى مسألة مهمة، وقد كانوا أتقياء يهتمون بأمور العبادات وتصحيح العبادات (قالوا: يا رسول الله! فذلك اليوم الذي كسنة، أتكفينا فيه صلاة يوم؟) يعني هذا اليوم الطويل جداً جداً، مثل السنة يكفي أن نصلي فيه خمس فروض فقط؟ يعني يصلي الفجر ثم نجلس حتى تعتدل الشمس وسط النهار، أي: نجلس مائة يوم حتى تعتدل، ثم نصلي الظهر، يعني خمسة فروض تكفي، قال صلى الله عليه وسلم:(لا ولكن اقدروا له قدره) أي: انظروا كم بين الفجر والظهر في الأيام العادية، وهذه نقربها لتوضيح المقصود بالحديث، مثلاً: بين الفجر والظهر سبع ساعات مثلاً، إذاً: إذا جاء الفجر، وطلع اليوم الذي ظهر فيه المسيح الدجال، أول يوم الذي هو من الأربعين، اقدروا له قدره، يعني: اجلس بعد الفجر مثلاً سبع ساعات، ثم صلي الظهر، وإن كانت الشمس ما زالت تطلع لأن اليوم طويل جداً مثل السنة، ثم مثلاً بين الظهر والعصر ثلاث ساعات، تجلس ثلاث ساعات وتصلي العصر، وإن كان قرص الشمس ما طلع وهكذا تقدر بين العصر والمغرب، وبين المغرب والعشاء، ويبن العشاء هذا والفجر الذي بعده، ويصلي المسلمون الصلوات بالتقدير في ذلك اليوم الذي يمر في بطئه كالسنة حقيقة لا مجازاً، فالشمس تجري فيه ببطء شديد جداً، انظر نصوص الشريعة في تكاملها عندما نقول: الشريعة تصلح لكل زمان.
استفاد العلماء من هذا الحديث في القطب الشمالي والقطب الجنوبي، مثلاً القطب الشمالي يكون فيه النهار ستة أشهر، والصيف ستة أشهر مثلاً والليل ستة أشهر، افرض أن مسلماً وصل إلى هناك وعاش هناك، أو أسلم أناس في ذلك المكان، كيف يصلي المسلمون في ذلك المكان، وعندهم ستة أشهر نهار وستة أشهر ليل؟ وليس عندهم غروب الشمس وزوال الشمس حتى يعرفون أوقات الصلوات، فكيف يصلي المسلم الذي يعيش في القطب الشمالي؟ لقد أفادنا حديث الدجال كيف نصلي، وذلك بالتقدير، يصلي الفجر أول ما تشرق الشمس، بعدها يصلي الظهر، بعدها يصلي العصر مع أن الشمس ما زالت، ثم يصلي المغرب والعشاء والشمس ما زالت موجودة، فأي واحد في القطب الشمالي يصلي بهذه الطريقة، بأخذ الحكم الشرعي من حديث الدجال، إذاً حديث الدجال أفادنا، فلا يقول أحد: ما لنا وهذه الأحاديث وما لنا علاقة فيها، كلا.
وهنا يظهر -أيها الإخوة- حرص الصحابة على السؤال عن العبادة وتصحيحها، وهو أمر يفوت أكثر الناس الآن، فهل يسأل عن صحة العبادة، وما هي شروطها؟ هل هي صحيحة؟ كيف تصح؟ هذا أمر ينبغي أن نتعلمه نحن.