وكذلك فإن في هذا الحديث: العمل بغلبة الظن، فإن الصديق لما جاء غلب على ظنه أن ولده فرط في حق الضيوف، وبناء على ذلك تكلم عليه ووبخه، بناء على ما غلب على ظنه من أنه قصر مع الضيوف، ويمكن أن يقال أيضاً: إن على الإنسان ألا يستعجل في لوم ولده؛ لأن الولد قد يكون لم يقصر، ولذلك يحتمل من صاحب الفضل العظيم الخطأ مالا يحتمل من أي شخص آخر، وهذا معروف.
والنبي عليه الصلاة والسلام في قصة حاطب رضي الله عنه، سامح حاطباً لأنه كان بدرياً، ربما لو كان غيره لقتله؛ لأنه تجسس على المسلمين، فكذلك صاحب الفضل وصاحب العلم وصاحب الخير لو أخطأ مرة، تغمر في بحر فضائله، لكن لو لم يكن له فضائل وأخطأ، ربما يلام ويؤاخذ مع أن نفس الخطأ يصدر من شخص آخر ولا يؤاخذ، وقد يقول بعض الناس: هذا ليس بعدل، نقول: لا، هذا عدل، لماذا؟ لأن الصحيح أن تأخذ كل الصورة، يعني: الآن عندك موظف أو خادم وأنت سيده أو مديره، يتقن عمله جداً، وفي مرة من المرات -مثلاً- أخطأ في عملية مالية تسببت في خسارة ألف ريال بسببه هو؛ قصر ولم يتأكد من توقيع أو من شيء فضيع ألف ريال على المؤسسة أو الشركة، وشخص آخر مقصر ومهمل جاء مرة وقصر وضيع ألف ريال، لا يقال: إن العدل معاملتهما بنفس المعاملة، لا.
إذا كان صاحب المؤسسة، أو سيد هذا الخادم، أو مدير هذا الموظف قد تجاوز عن الأول، وقال: أنا سامحتك، وآخذ الثاني وخصمها عليه لا يعتبر ظالماً ولا جائراً؛ لأن المعاملة المتماثلة مع المخطئين لابد أن تكون أوضاع المخطئين وأحوالهم متساوية، أما إذا كان هذا الإنسان نشيطاً وجيداً وأخطأ يمكن أن يسامح، ونفس الخطأ يرتكبه آخر لا يسامح.
إذاًَ: لابد من النظر في حال الشخص ككل، وتاريخ وماضي الشخص قبل الحكم عليه ومآخذته.
وكذلك في هذا الحديث أن الصديق رضي الله عنه رجع عما أخطأ فيه من الحلف، وهذه منقبة له في الرجوع عن الخطأ.