[كلام ابن القيم عن قوله تعالى:(واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا)]
وإذا جئت إلى دقة استنباطه من كتاب الله، لوجدت أمراً عجيباً، خذ مثلاً كلام ابن القيم رحمه الله في روضة المحبين عن قول الله عز وجل:{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ}[لأعراف:١٧٥ - ١٧٦] يقول ابن القيم رحمه الله: "تأمل قوله تعالى: {آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا}[الأعراف:١٧٥] فأخبر أن ذلك إنما حصل له بإيتاء الرب له لا بتحصيله هو- أي: أن الله عندما يؤتي أحدنا علماً، أو بصيرة، فليعرف أن الله هو الذي أعطاه، وليس العبد هو الذي أخذ بنفسه وبقدرته وبذكائه {آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا}[الأعراف:١٧٥]، ثم قال:{فَانْسَلَخَ مِنْهَا}[الأعراف:١٧٥] ولم يقل: فسلخناه؛ بل أضاف الانسلاخ إليه أي: إلى هذا العبد المذموم، وعبر عن براءته منها بلفظة الانسلاخ، أي: أنه انسلخ، يصور ابن القيم الدقة في التعبير فهذا العبد انسلخ من الآيات بالكلية، وهذا شأن الكافر، أما المؤمن ولو عصى الله؛ فإنه لا ينسلخ من الدين، ثم قال ابن القيم:{فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ}[الأعراف:١٧٥] ولم يقل: فتبعه، والفرق أن أتبعه تعني: تبعه وأدركه ولحقه؛ ولذلك قال الله عن فرعون:{فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ * فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ}[الشعراء:٦٠ - ٦١]، ولذلك يقول ابن القيم: فأتبعه الشيطان، أي: وصل إليه الشيطان واستحوذ عليه، وكذلك قال:{وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ}[الأعراف: ١٧٦] أي: سكن إليها ونزل بطبعه إليها، فكانت نفسه أرضية سفلية لا سماوية علوية إلى آخر كلامه رحمه الله.