للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[القراءة طرقها وأنواعها]

ويأتي شخص يتساءل ويقول: هل نقرأ كل شيء عن شيء معين ونتوسع فيه أم نقرأ بعض الأشياء في كل شيء فنأخذ نتفاً من كل موضوع؟ نقول: كلاهما خطأ، في البداية لا بد أن يكون هناك قاعدة عند الشخص، فلا بد أن يكون عنده قاعدة في كل شيء يحتاجه، قاعدة في التفسير، وقاعدة في العقيدة، وقاعدة في الفقه، وقاعدة في التجويد، وقاعدة في الحديث والمصطلح، وهكذا، ثم يتبحر الإنسان بحسب إقباله على هذا الفن وحاجته له ويتخصص فيه.

وأما بالنسبة لسرعة القراءة فقد كان علماؤنا رحمهم الله يقرءون بسرعة، كان ابن حجر يقرأ قراءة سريعة مركزة، كيف سريعة ومركزة؟ قرأ السنن لـ ابن ماجة في أربعة مجالس، وقرأ صحيح مسلم في أربعة مجالس، سوى مجلس الختمة في يومين وشيء، وقرأ السنن الكبرى للنسائي في عشرة مجالس كل مجلس نحو أربع ساعات، وأسرع شيء وقع له أنه قرأ في رحلته الشامية، معجم الطبراني الصغير في مجلس واحد بين صلاتي الظهر والعصر، وهذا الكتاب مجلد يشتمل على نحو ألف وخمسمائة حديث، وقرأ صحيح البخاري في عشرة مجالس كل مجلس أربع ساعات، يقرأ على شيخ، حتى قراءة الضبط، فالقراءة أنواع: قراءة دقيقة متأنية، أي: بمعدل مائة وخمسين كلمة إلى ثلاثمائة كلمة تقريباً في الدقيقة، هذه قراءة بدقة متأنية، لماذا؟ مثلاً: شخص يريد أن يرد على كتاب، فلابد أن يقرأ بتؤدة شديدة.

فالقراءة السريعة بمعدل ثلاثمائة كلمة إلى ستمائة كلمة في الدقيقة مثل مراجعة الحفظ، قراءة الحدر.

قراءة التصفح والاستعراض أي: بواقع تقريباً ألف وخمسمائة كلمة في الدقيقة، كيف ألف وخمسمائة في الدقيقة؟! مثلاً: يقرأ أول جملة من كل مقطع، يقرأ أسطراً معينة حتى يأخذ فكرة عن الكتاب قبل شرائه مثلاً، أو شخص -مثلاً- مسئول مكتبة يريد أن يعرف هل الكتاب جيد أو لا؟ الكتب كثيرة جداً، كيف يفعل؟ فيقرأ من كل صفحة ويأخذ مقاطع.

فيتحكم في سرعة القراءة أمور منها: الغرض من القراءة، والخلفية عن الموضوع، بعض الناس يستطيع أن يسرع، وبعض الناس ما يستطيع، لماذا؟ واحد عنده خلفية، وواحد ما عنده خلفية، وهكذا، هناك قراءة إطلاع، مثل واحد يقرأ الجرائد والمجلات فهذه قراءتها ليست مثل قراءة كتب العلم التي تكتسب فيها أشياء جديدة، وحتى قراءة كتب العلم تختلف من فن إلى آخر، فمثلاً: قراءة كتب الفقه ليست مثل أصول الفقه، قراءة كتب التاريخ ليست مثل قراءة كتب العقيدة، ولذلك يجب على الإنسان ألا يتأثر، المبتدئ يقول: والله فلان ينجز كتاباً في ساعتين أنا ما أنجزه إلا بعشر ساعات فتتحطم معنوياته، لا، إذا توسع عدد الكلمات التي يعرفها الشخص فإن قراءته تصبح أسرع، يتحكم في سرعة القراءة، بعض الخبراء يقترح لزيادة سرعة القراءة أشياء، يقول: إذا كانت سرعة القراءة أقل من مائة وخمسين كلمة في الدقيقة، طبعاً أنت اقرأ خمس دقائق ثم عد الكلمات، اقسم على خمسة يطلع سرعتك في الدقيقة كذا، فإذا كان أقل من مائة وخمسين كلمة في الدقيقة معناها أنك بطيء في المواضيع العادية، فيقترح بعض الخبراء، أن تقرأ خمس دقائق لمدة شهر بأسرع ما تستطيع من غير أن تهتم بما فاتك من المعاني، مع مرور الزمن ستلاحظ أنك بدأت تفهم مع السرعة.

الحل الثاني: توسيع نطاق النظر، بإقلال زمن الوقت على رسم الكلمة الواحدة، بدل أن تقف هنا، ثم هنا، حاول أن تسرع في الانتقال من كلمة إلى الأخرى، وثالثاً: عدم تحريك الشفة ورفع الصوت وعدم تكرار الكلمة ولو فاتك معناها، فإن الغالب أنك سوف تفهم من سياق الكلام.

هناك القراءة الجماعية، القراءة الجماعة مفيدة أحياناً، مثلاً: شيء قد لا تفهمه أنت، وقد يفهمه زميلك، ولذلك لما تكونون مجتمعين وشخص يقرأ والبقية يستمعون، فإن هذا مفيد من هذه الناحية، وبالعكس، قد لا يفهمه زميلك وتفهمه أنت، بالإضافة أنه يشجع بعضهم بعضاً، بالإضافة للفوائد والاقتراحات المفيدة أثناء القراءة، إلى غير ذلك من الأسباب التي تولدها البركة في الاجتماع، لكن هناك شرط مهم جداً جداً في القراءة الجماعية وهو الجدية، لأن كثيراً من الطلاب يجتمعون في المذاكرة فيضيع بعضهم وقت بعض، بالنكت والأضحوكات، والتسالي، وكل واحد يأتي بشيء، فيدور الشاي، وضاع الوقت، فالقراءة الجماعية لها شروط حتى تنجح.

وأخيراً: كما يحدث في الجامعات، هناك اثنان في غرفة أو أكثر، عندما تقرأ أنت وزميلك في الغرفة، فلا بد من وضع معاهدة، ولو غير مكتوبة عن أوقات معينة يحترمها الطرفان، لا تنتهك إلا لمرض مفاجئ أو حريق لا سمح الله، وإذا كان جدول الشخصين متفقاً، فإن هذا يسهل، لأن بعض الناس إذا جلس مع شخص في الغرفة فكل منهما يضيع وقت الآخر، وهذا يؤثر على النتيجة الدراسية، فلا بد من احترام أوقات المذاكرة من قبل الطرفين.

أيها الإخوة: هذا بعض الأمور في كيفية القراءة، والمسألة جهاد ومجاهدة وجد ومثابرة، وتوفيق من الله عز وجل، لتستوعب وتفهم وتحفظ، فإليه الملتجأ وعليه التكلان والله تعالى أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.