[ميزان التقوى وأهميته]
إن جنسية المسلم عقيدته، والمكانة في الدين ليست بالحسب والنسب، وإنما هي بالتقوى، ويجب أن يكون هذا هو المقياس الصحيح والميزان الحق في عقول الناس، ويجب أن نعلم الناس هذا المقياس، لأنه ينبني عليه أشياء كثيرة.
والناس الآن يتعاملون فيما بينهم بموازين عجيبة، يقولون: هذا كذا، وهذا كذا؛ مع أنه مسلم، بل قد يكون أفضل منهم علماً وتقوى.
أحد الناس أخبرني بقصة أن أحداً من الناس عنده خادم هندي في البيت، ولكنه رجل مسلم يطيع الله عز وجل ويقوم الليل ويعمل الصالحات، وصاحب البيت عاصي، وفي يوم من الأيام خصم صاحب البيت من المعاش على هذا، أو آذاه في شيء، فدعا عليه الهندي، فاستجاب الله دعوته، فالقضية ليست قضية هندي وعربي أو كذا، بل القضية قضية تقوى وإيمان، فكلما ازدادت التقوى وازداد الإيمان، قرب العبد من الله عز وجل، ولذلك يقول الشاعر:
فقد رفع الإسلام سلمان فارسٍ وقد وضع الكفر الشريف أبا لهب
الإسلام رفع سلمان الفارسي، ووضع الكفر الشريف أبا لهب، فـ أبو لهب شريف، وهو عم الرسول، لكن وضعه الكفر، وذكر عن سلمان أنه كان يقول:
أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيسٍ أو تميمِ
بعض الناس يقول: أبي كان وكان، فهو يفتخر بعظام ناخرة وعظام بالية، وافتخار الرجل بأبيه كافتخار الكوسج بلحية أخيه، والكوسج: هو الإنسان الذي لا تنبت له لحية، فالذي يفتخر بأبيه افتخاره مثل: افتخار الكوسج بلحية أخيه، وافتخار هذا لا ينفعه.
وأعجب شيءٍ إلى عاقلٍ أناسٌ عن الفضل مستأخرة
إذا سئلوا ما لهم من علا أشاروا إلى أعظمٍ نخرة
إذا قلت له: ماذا صنعت؟ قال: جدي كان كذا وأبي كذا، صحيح ذاك جدك عليه رحمة الله، لكن ماذا فعلت أنت؟ وهل سينجيك أبوك يوم القيامة؟ واشتهر عن علي رضي الله عنه وأرضاه أنه قال:
الناس من جهة التمثيل أكفاء أبوهمُ آدم والأم حواء
نفسٌ كنفسٍ وأرواحٌ مشاكلةٌ وأعظمٌ خلقت فيهم وأعضاءُ
فإن يكن لهم من أصلهم نسب يفاخرون به فالطين والماء
ما الفضل إلا لأهل العلم إنهمُ على الهدى لمن استهدى أدلاءُ
وقدر كل امرئٍ ما كان يحسنه وللرجال على الأفعال سيماءُ
وضد كل امرئ ما كان يجهلهُ والجاهلون لأهل العلم أعداءُ
واختتم الله الآية بقوله: {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات:١٣] أي: عليم بنياتكم وعليم بأعمالكم وخبير بما تفعلون، وخبير بمراتبكم عنده؛ ودرجات الجنة ليست بدرجات القبائل؛ وإنما هي بحسب الأعمال والتقوى.
وفقني الله وإياكم لأن يجعلنا ممن يتقيه، فيجعلنا من الأكرمين، ويدخلنا جنة النعيم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.