للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اتباع الهوى بما يسمى حرية الفكر]

ومن البدع التي خرجت في عصرنا من اتباع الهوى ما يعرف بحرية الفكر، وحرية العقيدة، وحرية الأديان، وحرية الاختيارات وهكذا، وهؤلاء أتباع هذا الفكر المنحرف والعقيدة الفاسدة الضالة (كل من على دينه الله يعنيه) ليس عندهم أي تمييز بين عقيدة صحيحة وفاسدة، وإسلام وكفر، وحق وباطل، وينادون بما يسمونه التعايش السلمي، فيقولون: أصحاب الأديان كل واحد يحترم الثاني، وكيف لهم ذلك والجهاد مأمور به؟ أين الجهاد في سبيل الله؟ أين إنكار المنكر؟ أين الدعوة إلى الله لتخطئة أهل الباطل؟ أين الرد على اليهود والنصارى وحلفائهم؟ وهذه البدع الجديدة لا شك أنها من اتباع الهوى، ويحتجون على ذلك بقوله تعالى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة:٢٥٦] والاحتجاج بهذه الآية يرد عليه بأحد جوابين كبيرين أشار إليهما أهل العلم: الأول: أن الآية منسوخة بآية السيف: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة:٣٦].

الرد الثاني لمن استدل بالآية هذه: أنها خاصة بأهل الكتاب إذا رضوا بدفع الجزية، فإذا وصلنا إلى بلد في الجهاد ووجدنا أناساً من أهل الكتاب وقالوا: لا نقاتلكم وادخلوا إلى بلدنا واحكموا بشريعة الإسلام، لكن نريد البقاء على ديننا، وندفع لكم الجزية، نقول: قد أجاز لكم ديننا هذا ما دمتم حكمتمونا في بلادكم، وفتحتم لنا طريقها لتحكم بالإسلام ولتدفعوا الجزية لقاء بقائكم تحت حماية المسلمين، فهذا حق لكم: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة:٢٥٦] وهذه أقوى الأجوبة على من احتج بهذه الآية؛ لأن كثيراً من أصحاب حرية العقيدة أول ما يذكر هذه الآية ويشرحها ينطلق منها بالضلال والهوى.

وقد أحدث الناس صنوفاً من الأهواء المعارضة للكتاب والسنة سموها تارة بحرية الرأي، أو حرية الفكر، وإن شئت فقدم الكاف على الفاء لتكون حرية الكفر، وهي في الحقيقة كافها قبل الفاء (كفر وليس فكر) وتارة يدخلون من باب سماحة الدين الإسلامي ونحو ذلك، ولقد رفعوا لواء حرية العقل والرأي وحرية العقيدة بهدم الدين الإسلامي، فماذا تعني حرية الرأي، أليست الإذن بقول كلمة الكفر؟! أليس حرية الرأي السماح بالطعن في الإسلام؟! أليس من حرية الرأي الاعتراض على حكم الله ورسوله؟! أليس من حرية الرأي التشكيك في دين الله عز وجل؟! كل هذه من باب حرية الرأي وليقل من شاء ما شاء، فالمجال مفتوح، والطريق واسع، والصدر رحب، ونحن نستوعب الرأي والرأي الآخر، وقد يكون الرأي الآخر كفراً وردة، وبدعة، وظلماً، وحراماً، وانحرافاً عن الدين، ويقولون: حرية الرأي، ولقد جاء الإسلام بالدعوة إلى دينٍ واحد وعقيدة واحدة، وجاء الإسلام بالجهاد في سبيل الله، وجاء الإسلام بمحو الكفر: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال:٣٩] فهذا الذي يدعو إليه الإسلام ولا يدعو الدين أبداً إلى إبقاء الكفرة على ما هم عليه وترك الكفر يسرح في الأرض، وإلا فما معنى أن الله عز وجل أنزل هذا الدين؟ {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:٨٥] وحينما نستعير مصطلحات الشرق والغرب ثم نلصقها بدين الله تكون مصيبة، فالمصيبة أن يأتي أناس من بني جلدتنا ويتكلمون بلغتنا ويقولون: حرية الرأي، حرية الفكر، ويأتون بأدلة من القرآن والسنة على حرية الرأي وحرية الفكر: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة:٢٥٦] ونحوه.

فمن المؤسف أن نستعير مصطلحات الشرق والغرب ثم نلصقها بدين الله ونأتي عليها بأحاديث وأدلة.

وتحت ضغط الواقع المنحرف يشتد هؤلاء على المسلمين، ويرفعون لواء هذه الجريمة المسماة: بحرية الرأي، ويفتحون الطريق للمنافقين وللمرتدين وللكفار ليطعنوا في الإسلام، وليعلنوا المخالفة لدين الله سبحانه وتعالى، وهذه انهزامية مقيتة، وبدعة جديدة، وكأن هؤلاء لم يقرءوا قول الله: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:٣٦] فظهر جيل لا يقر من الدين إلا بما يوافق هواه، وغزيت البيوت بهذه الموجات، وقيل: إن كل شيء معرض للنقد، وإنه ليس هناك مسلمات.