[أصناف أهل الخير يوم القيامة]
في ذلك الموقف وفي ذلك اليوم العظيم ينقسم الناس إلى طوائف، ويصنف الناس إلى أصناف، فتعالوا بنا نستعرض بعض أصناف الناس يوم القيامة.
قال النبي صلى الله عليه وسلم في حملة القرآن: (يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به، تقدمه سورة البقرة وآل عمران -وضرب لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أمثال- كأنهما غمامتان، أو ظلتان سودوان بينهما شرقٌ، أو كأنهما حزقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما) والظلة: السحابة، والشرق: ضياء ونور، ومعنى حزقان من طير: أي جماعتان، قال عليه الصلاة والسلام: (اقرءوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة) أي: السحرة، رواه مسلم رحمه الله.
أما أصحاب الصيام فيقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل: (لخلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك).
وأما أهل الحج فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: في رجلٍ كان واقفاً معه بـ عرفة فأوقفته ناقته -أوقعته من فوقها- فمات، فقال عليه الصلاة والسلام: (اغسلوه بماءٍ وسدرٍ وكفنوه في ثوبين، ولا تحنطوه ولا تخمروا رأسه، فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبياً).
وأما أهل الجراحات في سبيل الله، فيقول عليه الصلاة والسلام: (من قاتل في سبيل الله من رجلٍ مسلم تواق ناقة -ولو مقدار حلب ناقة- وجبت له الجنة، ومن جرح جرحاً في سبيل الله أو نكب نكبةً فإنها تجيء يوم القيامة كأغزر ما كانت، لونها الزعفران، وريحها كالمسك) قال الترمذي: حديث صحيح.
وأما المؤذنون فيقول عليه الصلاة والسلام: (المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة) رواه مسلم (إذا ألجم الناس العرق طالت أعناقهم لئلا ينالهم ذلك الكرب والعرق، هم رؤساء الناس أو من رؤسائهم وسادتهم يوم القيامة أطولهم أعناقاً حساً ومعنى) كما جاء في صحيح مسلم.
وعندما يعرق الناس والشمس فوق الرءوس في ذلك الكرب العظيم، يكون هناك أناسٌ في ظل الله تعالى، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما ورد في الصحيح: (سبعةٌ يظلهم الله يوم القيامة في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمامٌ عادل، وشابٌ نشأ في عبادة الله، ورجلٌ ذكر الله في خلاء ففاضت عيناه، ورجلٌ قلبه معلقٌ بالمسجد، ورجلان تحابا في الله، ورجلٌ دعته امرأة ذات منصب وجمالٍ إلى نفسها، فقال: إني أخاف الله، ورجلٌ تصدق بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما صنعت يمينه).
وكذلك فإن ممن يكون في الظل ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي) رواه مسلم، وكذلك: (من أنظر معسراً أو وضع له، أظله الله يوم القيامة تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله) رواه الترمذي وهو حديثٌ صحيح.
ولذلك كان أبو قتادة يطلب غريماً له، فتوارى عنه الغريم هارباً، ثم وجده، فقال الغريم: إني معسر، فقال: آلله، قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة، فلينفس عن معسرٍ أو يضع عنه) رواه مسلم، وكذلك قال عليه الصلاة والسلام: (المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلمٍ كربة فرج الله عنه كربةً من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة) رواه البخاري، من ستره حساً بتقديم اللباس للعاري، وستره معنىً بأن ستر عليه فلم يفضحه، وهو يستحق الستر، وهو له أهلٌ.
وكذلك في ذلك الموقف العظيم: (ما شيءٌ أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلقٍ حسن) رواه الترمذي وأبو داود وهو حديثٌ صحيح، أما: (من عال جاريتين -بنتين صغيرتين، أو أمتين مملوكتين- حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو، وضم أصابعه صلى الله عليه وسلم) رواه مسلم.
فهذا يا آباء البنات! بعض ما ورد في أجر تربية البنات والإحسان إليهن، فلا تجزع إذا ولدت لك امرأتك بنتاً أخرى، وأنت تشتهي أن يكون المولود ذكراً، وكذلك: (من شاب شيبةً في الإسلام كانت له نوراً يوم القيامة) رواه الترمذي وهو حديث صحيح، فالذي يشيب من المجاهدة يشيب رأسه من عظمة الله يشيب رأسه وهو ملتزمٌ بأحكام الشريعة.
وكذلك: (من كظم غيظاً وهو يستطيع أن ينفذه دعاه الله يوم القيامة على رءوس الخلائق، حتى يخيره في أي الحور شاء)، وفي رواية: (قادرٌ على أن يُنْفذه دعاه الله عز وجل على رءوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره الله من الحور العين ما شاء) وهو حديث صحيح في الترمذي وغيره، فالذي يكف عن إمضاء الغيظ وهو قادرٌ على إنفاذ وعيده وبطشه، فالله يدعوه على رءوس الخلائق، ويشهر أمره، ويثني عليه، ويباهي به، هذا الذي يقال في حقه كذا وكذا، صدرت منه هذه الخصلة العظيمة، هذا جزاء من يكظم غضبه ونفسه الأمارة بالسوء.
أما من ترك اللباس تواضعاً لله وهو يقدر عليه: (دعاه الله يوم القيامة على رءوس الخلائق حتى يخيره من أي حلل الإيمان شاء يلبسها) رواه الترمذي وهو صحيح، الذي يترك لبس الثياب الحسنة المرققة، عظيمة القيمة تواضعاً لله، لا بخلاً ولا رياءً؛ ليقال: زاهد، فإن الله يشهره ويناديه ويخيره من حلل أهل الإيمان أيها شاء، يختار ويلبس، هذه بعض أصناف المؤمنين من أصحاب الأعمال الصالحة.