[تربية ابن مهدي لأهله وأولاده]
أما متابعته لأهله وأولاده في صلاة الجماعة، وهذه قضية مهمة، لأن بعض الناس ربما يهملون أهاليهم وأولادهم بحجة طلب العلم، أو بحجة الشغل، أو بحجة بعض الطاعات.
قال رسته: سألت ابن مهدي عن الرجل يبني بأهله؛ فيترك الجماعة أياماً، هل العرس عذر في ترك صلاة الجماعة؟ مثلاً: بعض الناس إذا كان عرسه الليلة؛ لا تراه يصلي الفجر في المسجد، هذه مفروغ منها، فشاع عند بعض الناس أن الذي أعْرَس -الذي يبني بامرأة- يُعذر عن صلاة الجماعة، أسبوع، أو ثلاثة أيام.
قال رسته: سألت ابن مهدي عن رجل يبني بأهله يترك الجماعة أياماً.
قال: لا.
ولا صلاةً واحدةً.
وهاك قصة تبين حرص الرجل على أولاده ومتابعته لهم: قال رسته: وحضرتُ ابن مهدي صبيحة بَنَى على ابنيه -يعني: زوج ابنيه- فخرج فأذن الفجر، ثم مشى إلى بابهما -باب بيت كل واحد- والجواري والخدم موجودون، قال للجارية: قولي لهما يخرجان إلى الصلاة.
فخرجن النساء والجواري من البيت، فقلن: سبحان الله! أيُّ شيء هذا؟! كأنهن يقلن: ما هذا التشديد؟! فقال: لا أبرح حتى يخرجا إلى الصلاة، أنا جالس.
فخرجا بعدما صلى، تأخرا في الخروج، فبعث بهما إلى مسجد خارج من الدير، أي: بعيداً عن البيت.
قال: اذهبا إلى ذلك المسجد.
وقال رسته: وكان عبد الرحمن يحج كل عام، فمات أبوه وأوصى إليه، فأقام على أيتامه، فسمعتُه يقول: ابتليت بهؤلاء الأيتام، فاستقرضت من يحيى بن سعيد أربعمائة دينار احتجت إليها في مصلحة أرضهم.
فكان الرجل حريص على أولاده، وحريص على الأيتام الذين هم عنده، ما كان مضيعاً كما يفعل بعض الناس إذا طلب شيئاً من العلم، ضيع الأهل والأولاد، وضيع مَن عنده، علماً بأنهم كانوا -ولا شك- ليسوا مع أولادهم كل الوقت؛ لأنهم احتاجوا إلى أشياء من الوقت كثيرة.
قال ابن مهدي: لزمت مالكاً حتى ملَّني، فقلت يوماً: قد غبتُ عن أهلي هذه الغيبة الطويلة، ولا أعلم ما حدث لهم بعدي.
قال: يا بني! وأنا بالقرب من أهلي ولا أدري ما حدث بهم منذ خرجت.
فمع تضحيتهم بالأسفار والتغيب، لكنهم ما كانوا مهملين في المتابعة، فإذا حضر عند أهله تابعهم، وأمرهم بالصلاة، {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه:١٣٢].
وكانوا عند حماد بن زيد، فسئل عن مسألة، فقال: أين ابن مهدي؟ مَن لهذا إلا ابن مهدي؟ قال: فأقبل عبد الرحمن، فسأله عن ذلك، فأجاب، فلما قام من عنده، قال: هذا سيد البصرة منذ ثلاثين سنة.
هذا من ثناء حماد رحمه الله وهو شيخه عليه.