كذلك: قضية التشريح يمكن أن يحدث تساهل -لا سمح الله- فيؤتى بجثة إنسان مسلم لتشرح، فإذا اكتشفت أنت بالقرائن وتبين لك أن هذه جثة مسلم فلا يجوز لك مطلقاً أن تشرح فيها، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح:(إن كسر عظم المؤمن ميتاً مثل كسره حياً) أتي لك بجثة، وتأتي بالمنشار الكهربائي وتفك الرأس وتخرج الدماغ، وتريد أن تفحص هذا على جثة أخيك لو أنت مكانه هل ترضى بهذا الكلام؟ فالأصل أن الأجساد محترمة فتدفن، ولا تبقى حتى على وجه الأرض، فإن الدفن واجب، لكن لضرورة التعليم يؤتى بأجساد ليست أجساد مسلمين، فيحصل فيها قضايا التعليم، ولذلك قال أهل العلم: ويحرم قطع شيء من أطراف الميت وإتلاف ذاته أو إحراقه ولو أوصى به.
وحتى في مسألة الجنين الذي يتحرك في بطن الأم الميتة تردد بعض الفقهاء في شق بطن الأم، وقالوا: يمكن أن يخرج الولد ويمكن أن يموت، فنكون قد شققنا بطن الميتة، لكن القول الراجح في هذا: أنه إذا غلب على ظن الطبيب أن الولد سيخرج حياً فيجوز له أن يشق بطن الأم الميتة لإخراج الولد الذي يغلب على الظن أنه سيعيش، لكن إذاك كان ميتاً والأم ميتة فلا تشق بطنها، وهناك قضايا تنبه لها العلماء، قالوا: لو أن امرأة نصرانية كافرة تزوجها رجل مسلم، وماتت وفي بطنها جنين قد نفخت فيه الروح، ومات الجنين معها، فكيف تدفن؟ حتى هذه المسألة فكروا فيها، فقالوا: تدفن الأم وظهرها إلى القبلة لماذا؟ لأن الجنين الذي في البطن جنين مسلم، والمسلم عند الدفن يوجه إلى القبلة، وهو في بطه أمه يكون وجهه إلى ظهرها، فعندما تدفن تكون هي موجهة إلى غير القبلة وظهرها إلى القبلة ليكون الولد المسلم في بطنها متوجهاً إلى القبلة.
وهنا جاءت مسألة أخرى: هذه امرأة كافرة هل يجوز قبرها في مقابر المسلمين؟ لا يجوز، لكن في بطنها ولد مسلم فهل يدفن في مقابر الكفار؟ لا يجوز، ولذلك كان الحل أن يقبر في مدفنة خاصة لا هي من مقابر المسلمين ولا من مقابر الكفار، أو جزء معين من المقبرة خاص لمثل هذه الحالة.
انظر إلى الفقهاء! هذه أمور من الدين ليست سهلة، ونحن الآن نفعل أشياء ولا نعرف ولا نفكر أصلاً ما هو الحكم في المسألة هذه! بقي عندنا حالة، أو فتوى في جهاز الإنعاش ودراسة، ملخص دراسة في الموضوع، ونقف عند هذه؛ لأنني أخشى أن أطيل عليكم، ولكن -أيها الإخوة- أذكركم أخيراً بمسألة مهمة بتقوى الله، واستشعار الأمانة، فهو أهم ما يعتمد عليها في مهنة الطب، قضية الأمانة التي يسميها الغربيون "شرف المهنة" ونحن نسميها "أمانة" أوصانا الله عز وجل بها.