[ما يستحب قتله]
ويَحسن في الإحرام والحل قتل ما يضر بلا نفعٍ كنمرٍ ومرثدِ
انتقل رحمه الله لبيان بعض ما يتعلق بأحكام قتل الحيوانات، قال: (ويحسن في الإحرام والحل) في الحل والإحرام (قتل ما يضر) سواء كنت محرماً أو غير محرم، وفي حدود الحرم أو خارج حدود الحرم، يجوز لك (قتل ما يضر بلا نفعٍ)؛ لأن الحيوانات على ثلاثة أقسام: منها: ما ينفع بلا ضرر، ومنها: ما يضر بلا نفع، ومنها: ما ينفع ويضر، وسيأتي حكم كل واحدٍ من هذه الثلاثة.
قال:
ويحسُن في الإحرام والحل قتل ما يضر بلا نفعٍ كنمرٍ ومرثدِ
والنمر: ضربٌ من السباع فيه شبهٌ من الأسد، غير أنه شرسٌ جداً، لا يملك نفسه عند الغضب، وربما قتل نفسه من شدة الغضب، فهذا يجوز قتله في الحل والحرام، والمرثد: اسمٌ من أسماء الأسد، والأسد له عند العرب أكثر من خمسمائة اسم، ومن أشهر أسمائه عندهم أسامة والحارث وحيدرة والهزبر والضرغام والضيغم والعنبس والغضنفر وقسورة والهرماس والليث؛ فمرثد هنا من أسماء الأسد، ولذلك قال:
ويحسن في الإحرام والحل قتل ما يضر بلا نفعٍ كنمرٍ ومرثدِ
فالأسد مما يباح قتله لأنه من السباع الضارية المعتدية، لكنه إذا ترك فريسةً لا يعود إليها، وإذا ولغ الكلب في ماء لا يشربه، فهو يأنف أن يشرب من الماء الذي ورد فيه الكلب.
قال:
وغربان غير الزرع أيضاً وشبهها كذا حشرات الأرض دون تقيدِ
أي: أن الغربان يجوز قتلها، مثل الغراب الأبقع، لكن إذا كان من غراب الزرع، فلا يجوز قتله للمحرم، لأنه من الصيد، لجواز أكله، وغراب الزرع منقاره أحمر، فلا يصيده المحرم، وإنما الذي يقتله المحرم الغراب المعروف الذي لا يكون في الزرع وسمي الغراب بهذا لأنه أسود.
ومما يشبه الغراب مما يقتل الحدأة والقنفذ أيضاً فإنه يباح قتلها في الحل والحرم، وهو خبيث لا يؤكل؛ فالصحيح أنه لا يجوز أكله ولو ذكي.
(كذا حشرات الأرض دون تقيدِ): والحشرات كثيرة مثل الصرصور وغيره، وضرب لها أمثلة في البيت الذي بعده فقال:
كبقٍ وبرغوثٍ وفأرٍ وعقربٍ ودبرٍ وحيات وشبه المعددِ
فالبق معروف، والبرغوث هو من الحشرات التي لها أداةٌ تمص بها الدم، حتى إن بعض الظرفاء قال:
لا تسب البرغوث إن اسمه برٌ وغوثٌ لك لا تدري
فبره مص دمٍ فاسدٍ وغوثه الإيقاظ للفجر
والفأر هو الجرذ، والعقرب هي من أفتك ما يدب على الأرض، حتى إنها تقتل الحية، وكم تهلك الأفاعي بسموم العقارب! ومنها أنواعٌ إذا لدغت إنساناً تساقط لحمه وتناثر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله العقرب لا تدع مصلياً ولا غيره) وجاء أن العقرب لدغت النبي عليه الصلاة والسلام، وجاء أن عقرباً لدغت أحد أصحابه، فأراد صاحبٌ له أن يرقيه، فاستأذن النبي عليه الصلاة والسلام، فأذن له، وقال: (إن استطاع أحدكم أن ينفع أخاه بشيءٍ فليفعل) فالرقية من سم العقرب مشروعة.
الدَبْر: جمع دبور، وهو الزنبور، وقد جاء في الحديث الصحيح: أن عاصم بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه لما قتله المشركون أرادوا أخذ جثته، وكان قد عاهد الله ألا يمس مشركاً ولا يمسه مشرك، فأرسل الله الدَبْر، فأظله، فجاءوا ليأخذوه فلم يستطع المشركون أخذ جثته لأن الدبر -الزنابير- قد أظلته، فلم يستطيعوا مد أيديهم إليه.
والزنبور مما يحل قتله وربما تجتمع الزنابير على رجل فتقتله، وقد ذكروا أن رجلاً كان مع صحبه، فسب أبا بكر وعمر، فبعد حين جاءت الزنابير إليه فاجتمعت وهي كثيرةٌ عليه فاستغاث بأصحابه، فأرادوا أن يغيثوه فاتجهت إليهم، فنفروا عنه حتى مات، قال أحدهم: ثم جاء زنبورٌ منها على أحدنا فلم يصبه بشيء، فعلمنا أنها مأمورة.
قال:
كبق وبرغوث وفأر وعقرب ودبر وحيات وشبه المعدد
والحيات يجوز قتلها أيضاً للمحرم وغير المحرم، وسيأتي بعض الاستثناءات، (وشبه المعددِ): وهي الأشياء التي تشبه ما عددناه قبل قليل، يجوز قتلها كالوزغ مثلاً.