[العلاقة الزوجية في حياة الداعية إلى الله]
السؤال
بالنسبة لعلاقة المرأة مع الرجل، وبالذات زوجة طالب العلم والداعية إلى الله، فقد تطالبه بأشياء أكثر من حقها المشروع مما يضيع عليه الوقت، فهل من نصيحة؟
الجواب
نقول أيها الإخوة: الحقوق الزوجية أمر من صلب الإسلام، ومع الأسف الشديد أننا لا زلنا نسمع عن قصص عجيبة في العلاقات الزوجية السيئة؛ تحدث أحياناً بين بعض الناس الذين ظاهرهم التمسك بالدين، وهذه مسألة خطيرة جداً.
واحد من الناس أول ما تزوج ضرب زوجته في ليلة العرس، وواحد آخر كان يدس لزوجته الحبوب المخدرة، على أنها أقراص مهدئة أو مسكنة للصداع.
وواحد يكتف زوجته بالحبل ويطأها في دبرها رغماً عنها، وهو معروف أنه حرام، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لعن من أتى امرأة في دبرها.
وإنسان يطرد زوجته من البيت، وقد يرميها بأقرب إناء في يده.
في المقابل زوجات تثور على زوجها لأتفه الأسباب، وتقول له: اغسل ثيابك بنفسك، وقد تقول له أيضاً: إذا لم يعجبك الأكل فاذهب إلى المطعم، وقد تتمرد عليه في الفراش ولا تجيبه، والرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أن من فعلت ذلك تلعنها الملائكة حتى تأتي، وأن من دعاها زوجها إليها وجب أن تأتيه ولو كانت على التنور؛ لأنه قد يقوم في نفس الزوج في بعض الحالات من الحاجة إلى زوجته شيئاً كبيراً طارئاً لابد أن يلبى في آنه.
وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن من رأى امرأة في الطريق فأُعجب بها، فمن تمام كفارة ذلك وعلاج هذا الأمر أن يأتي أهله، فقد يحصل ذلك فيدخل البيت فيجدها تطبخ فيطلبها، فيجب عليها أن تلبيه فوراً؛ لأنه قد تحصل مفاسد من الامتناع عن ذلك.
وهذه مسألة الكلام فيها طويل، ولعل الله عزَّ وجلَّ ييسر لنا فرصة لنتكلم عنها بتفاصيل أكثر، وتبيان ما ورد في الشرع من آداب العشرة الزوجية، وحق الرجل على زوجته، وحق الزوجة على زوجها، ولكن نصيحة أقدمها بشأن هذا السؤال؛ زوجة الداعية إلى الله أو طالب العلم، لابد أن تراعي حال زوجها في أمور كثيرة، فمثلاً قد يكون الزوج ينفق قسطاً لا بأس به من مرتبه أو دخله في أشياء من الطاعات، كصدقات، أو شراء كتب علمية، أو إنفاقها على إخوانه في الله، وقد يكون الإنفاق مع مطالبته لها بأمور مثل الولائم وما شابه ذلك.
فالمرأة المسلمة الصادقة لابد أن تراعي حال زوجها، فالداعي إلى الله وطالب العلم عليه من المسئوليات التي تستتبع متطلبات مادية غير الشخص العادي، ولذلك لابد أن تراعي زوجته هذا الجانب؛ لأنه قد يكون عنده احتياجات ومتطلبات يحتاج إليها في خلال دعوته إلى الله وطلبه للعلم، فمثلاً: لا تكلفه بأن يشتري لها الثياب الغالية، أو أن يستأجر لها شقة مترفة أو مزينة ووثيرة الأثاث، فإنه لا يستطيع أن يتحمل الجمع بين الأعباء المالية التي تكلفه بها الزوجة، ومع المتطلبات المالية التي يحتاج إليها في خلال دعوته إلى الله وطلب العلم الشرعي، هذا من جهة.
من جهة أخرى: فإن الداعية إلى الله في عصرنا سيستغل جزء كبير من وقته في الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، وطلب العلم وتعليمه للناس، والزوجة تريد من زوجها أن يجلس معها في البيت كثيراً، وأن يخلو بها كثيراً، وأن يخرج بها للفسحة كثيراً، تحب هذا منه، ووقته مزدحم بأعباء وأشغال، والتأخر الحاصل في حال المسلمين يتطلب من الإنسان المسلم عملاً دائباً وجهداً كبيراً، وهذا العمل والجهد يزاحم قضية الانفراد بالزوجة والخروج بها للفسحة وغيره، فلابد أن تراعي هذا الأمر، وألا تطلب منه كثيراً أن يأتي ويجلس معها دائماً، أو يخرج بها يفسحها ويزورها إلى آخره، أقول: لا تطلب منه كثيراً، لا ألا تطلب منه نهائياً.
كذلك قد يرهقها بأعمال، فهو يحب إكرام الناس، وقد يستغل الولائم في الدعوة إلى الله، والدخول إلى قلوب الخلق، وهذا سيرتب عليها مسئولية أن تطبخ، وقد تكثر هذه الأشياء بين فترات قريبة، فيحصل منها بعض التضايق في هذا الجانب، وقد يفاجئها بوليمة من غير خبر مسبق، إما أن يطرق الباب ويقول: حهزي فقد جاء معي خمسة؛ فاصنعي عشاء بسرعة، أو بالهاتف يقول: بعد نصف ساعة أنا سآتي ومعي سبعة أشخاص، نحن لا نقول: فعل الزوج هذا صحيح تماماً، لكن نقول من جهة الزوجة: أنه لابد أن تراعي هذا الشيء، ومن ثم قد تطبخ وتتعب وتنفخ وهكذا، ثم يأتي يلاحقها: أما أنجزتي، أسرعي في التجهيز إلخ.
الغريب أحياناً أن هذا قد يقع، يدخل الواحد على زوجته معبساً مقطباً، فيأخذ الطبق ويدخل على إخوانه في المجلس مبتسماً منشرح الصدر، وهذا شيء غير صحيح، لكن الظروف قد تدفع الإنسان لهذا، فعليه أن يجاهد نفسه في هذا الأمر، وكما أنه يأخذ الأطباق مثلاً مستعجلاً عابساً، ينسى كلمة الشكر للزوجة، فإنه إذا ردها إليها بعد الأكل، أين الشاي؟ أين القهوة؟ تأخذ الأطباق، وينسى أن يقول لها كلمة ملاطفة، أو كلمة شكر واحدة.
إزاء هذه الأشياء التي تحدث؛ فلابد أن تكون الزوجة -زوجة طالب العلم والداعية إلى الله- واسعة الصدر، لا تغصب، ولا تشمئز، صحيح أن هذا الأمر قد يثير في نفسيتها أشياء، وقد يجرح كبرياءها وشعورها، ولكن التي تفهم الأمر كما ينبغي، وتعي الواقع جيداً، فإنها ولاشك ستحتسب هذا عند الله، وكما أن زوجها يقوم بالدعوة إلى الله وطلب العلم وتعليم الناس، فهي تقوم بدور لا يقل عنه أهمية في دعمه، وحمل المشاق عنه، وتوفير الجو الهادئ له.
قد يكون هذا الشخص منشغلاً بالقراءة وطلب العلم، يدخل ويقفل على نفسه ويترك المرأة مع الأولاد، وقد تقول له: علمني مما علمك الله، فيقصر في حقها، تقول له: أنت تذهب تعلم الناس وتطلب العلم، وأنا ليس لي شيء، وهو مقصر في حقها، لكن المراعاة من المرأة مهم، فنحن نتكلم من جانب الزوجة.
وإذا دخل البيت متعباً والأولاد يصرخون، فقد يقول: خذي الأولاد واذهبي غرفة ثانية بسرعة؛ أنا أريد أن أنام، أم هي فكأنها لا تريد أن تنام بزعمه، فقد تحزن أيضاً، فنقول: إن الحياة الزوجية ينبغي أن تكون قائمة على المودة، و (سددوا وقاربوا) فكما ننصح المرأة بهذا الكلام، نقول للزوج أيضاً: وأنت كذلك أيها الأخ المسلم، عليك بمراعاة زوجتك، وستخطئ عليها في كثير من الأحيان ولاشك، فعليك بتدارك ما فات، وإصلاح ما ينبغي أن يصلح، وألا تترك الأخطاء تتراكم منك على زوجتك.