وقد جاءت الأخبار عن الطفيليين أنهم كانوا يحتالون للدخول.
جاء طفيلي إلى عرسٍ فمُنع من الدخول، وكان يعرف أن أخاً للعروس غائباً، فذهب فأخذ ورقة وطواها وختمها وليس في بطنها شيء، وجعل العنوان من الأخ إلى العروس، وجاء فقال: معي كتابٌ من أخ العروس إليها، فأذن له فدخل ودفع إليهم الكتاب، فقالوا: ما رأينا مثل هذا العنوان ليس عليه اسم أحد، فقال: وأعجب من هذا أنه ليس في بطنه حرفٌ واحد، لأنه كان مستعجلاً؛ فضحكوا منه، وعرفوا أنه قد احتال ليدخل.
وقيل لـ نوح الطفيلي: كيف تصنع إذا لم يتركوك تدخل إلى عرس؟ قال: أنوح على الباب فيتطيرون مني فيدعونني، وكان بعضهم إذا أراد أن يدخل ذهب إلى باب النساء، فإذا أراد أن يدخل نادوه، وقالوا: من هنا من هنا، فقال: أنا أعتبرها دعوة، وليست سرقة.
وأيضاً من الأشياء الظريفة التي ذكرها الخطيب البغدادي رحمه الله في كتاب التطفيل قال: عن نصر بن علي أبي عمرو الجهضمي قال: كان لي جار طفيلي، وكان من أحسن الناس منظراً، وأعذبهم منطقاً، وأطيبهم رائحةً، وأجملهم لباساً، فكان من شأنه أني إذا دُعيت إلى مدعاةٍ تبعني، فيكرمه الناس من أجلي، ويظنون أنه صاحبٌ لي، ينتظرني إذا خرجت لدعوة مشى ورائي، والناس يسمحون له بالدخول بناءً على أنه صاحبٌ لي، فاتفق يوماً أن جعفر بن القاسم الهاشمي أمير البصرة أراد أن يختن بعض أولاده، فقلت في نفسي: كأني برسول الأمير قد جاء، وكأني بهذا الرجل قد تبعني، والله لئن تبعني لأفضحنه، فأنا على ذلك إذ جاء رسوله يدعوني، فما زدت أن لبست ثيابي وخرجت، وإذا أنا بالطفيلي واقفٌ على باب داره قد سبقني بالتأهب، فتقدمت وتبعني، فلما دخلنا دار الأمير جلسنا ساعة، ودُعي بالطعام وحضرت الموائد، وكان كل جماعة على مائدة لكثرة الناس، فقُدمت إلى مائدة والطفيلي معي، فلما مد يده وشرع لتناول الطعام قلت: حدثنا رستم بن زياد عن أبان بن طارق عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من دخل دار قومٍ بغير إذنهم فأكل طعامهم دخل سارقاً وخرج مغيراً) فلما سمع ذلك قال: أنفت لك والله أبا عمرو من هذا الكلام؛ ألا تستحي أن تتكلم بهذا الكلام على مائدة سيد من أطعم الطعام، وتبخل بطعام غيرك على من سواك.
ثم لا تستحيي أن تحدث عن رستم بن زياد وهو ضعيف عن أبان بن طارق وهو متروك الحديث تحكم برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون على خلافه؛ لأن حكم السارق القطع وحكم المغير أن يعزر على ما يراه الإمام، وأين أنت من حديثٍ حدثنا أبو عاصم النبيل عن ابن دريد عن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة، وطعام الأربعة يكفي الثمانية) وهو إسنادٌ صحيحٌ ومتنٌ صحيح.
قال نصر بن علي: فأفحمني فلم يحضرني له جواب، فلما خرجنا من الموضع للانصراف فارقني من جانب الطريق إلى الجانب الآخر بعد أن كان يمشي ورائي، وسمعته يقول:
ومن ظن ممن يلاقي الحروب بألا يصاب فقد ظن عجزا
وبهذا نكون قد انتهينا من الكلام عن أحكام الوليمة، وما يتيسر من الأحكام والآداب المتعلقة بالوليمة، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد.